بمعنى بعد و " ما " لتأكيد القلة وضمير الجمع للقوم، والكلام مؤكد بلام القسم ونون التأكيد، والمعنى: أقسم لتأخذنهم الندامة بعد قليل من الزمان مشاهدة حلول العذاب.
قوله تعالى: " فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين "، الباء في " بالحق " للمصاحبة وهو متعلق بقوله " فأخذتهم " أي أخذتهم الصيحة أخذا مصاحبا للحق، أو للسببية، والحق وصف أقيم قام موصوفه المحذوف والتقدير فأخذتهم الصيحة بسبب الامر الحق أو القضاء الحق كما قال: " فإذا جاء أمر الله قضي بالحق "، المؤمن: 78.
والغثاء بضم الغين وربما شددت الثاء: ما يحمله السيل من يابس النبات والورق والعيدان البالية، وقوله: " فبعدا للقوم الظالمين " إبعاد ولعن لهم أو دعاء عليهم.
والمعنى: فأنجزنا للرسول ما وعدناه من عذابهم فأخذتهم الصيحة السماوية وهي العذاب فأهلكناهم وجعلناهم كغثاء السيل فليبعد القوم الظالمون بعدا.
ولم يصرح باسم هؤلاء القوم الذين أنشأهم بعد قوم نوح ثم أهلكهم ولا باسم رسولهم، وليس من البعيد أن يكونوا هم ثمود قوم صالح عليه السلام فقد ذكر الله سبحانه في قصتهم في مواضع من كلامه أنهم كانوا بعد قوم نوح وقد أهلكوا بالصيحة. قوله تعالى: " ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون " تقدم توضيح مضمون الآيتين كرارا.
قوله تعالى: " ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمة رسولها كذبوه "، إلى آخر الآية يقال: جاؤوا تترى أي فرادى يتبع بعضهم بعضا، ومنه التواتر وهو تتابع الشئ وترا وفرادى، وعن الأصمعي: واترت الخبر أتبعت بعضه بعضا وبين الخبرين هنيهة انتهى.
والكلام من تتمة قوله: " ثم أنشأنا من بعدهم قرونا " و " ثم " للتراخي بحسب الذكر دون الزمان، والقصة إجمال منتزع من قصص الرسل وأممهم بين أمة نوح والأمة الناشئة بعدها وبين أمة موسى.
يقول تعالى: ثم أنشأنا بعد تلك الأمة الهالكة بالصيحة بعد أمة نوح قرونا وأمما آخرين وأرسلنا إليهم رسلنا متتابعين يتبع بعضهم بعضا كلما جاء أمة رسولها المبعوث