تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٤٢
أن التلبس بها أمر سهل في وسع النفوس وليس بذاك الصعب الشاق الذي يستوعره المترفون، والثاني أن الله لا يضيع عملهم الصالح ولا ينسى أجرهم الجزيل.
فقوله: " ولا نكلف نفسا إلا وسعها " نفي للتكليف الحرجي الخارج عن وسع النفوس أما في الاعتقاد فإنه تعالى نصب حججا ظاهرة وآيات باهرة تدل على ما يريد الايمان به من حقائق المعارف وجهز الانسان بما من شأنه أن يدركها ويصدق بها وهو العقل ثم راعى حال العقول في اختلافها من جهة قوة الادراك وضعفه فأراد من كل ما يناسب مقدار تحمله وطوقه فلم يرد من العامة ما يريده من الخاصة ولم يسأل الأبرار عما سأل عنه المقربين ولا ساق المستضعفين بما ساق به المخلصين.
وأما في العمل فإنما ندب الانسان منه إلى ما فيه خيره في حياته الفردية والاجتماعية الدنيوية وسعادته في حياته الأخروية، ومن المعلوم أن خير كل نوع من الأنواع ومنها الانسان إنما يكون فيما يتم به حياته وينتفع به في عيشته وهو مجهز بما يقوى على إتيانه وعمله، وما هذا شأنه لا يكون حرجيا خارجا عن الوسع والطاقة.
فلا تكليف حرجيا في دين الله بمعنى الحكم الحرجي في تشريعه مبنيا على مصلحة حرجية، وبذلك أمتن الله سبحانه على عباده، وطيب نفوسهم ورغبهم إلى ما وصفه من حال المؤمنين.
والآية " ولا نكلف نفسا إلا وسها " تدل على ذلك وزيادة فإنها تدل على نفي التكليف المبني على الحرج في أصل تشريعه كتشريع الرهبانية والتقرب بذبح الأولاد مثلا، ونفي التكليف الذي هو في نفسه غير حرجي لكن اتفق أن صار بعض مصاديقه حرجيا لخصوصية في المورد كالقيام في الصلاة للمريض الذي لا يستطيعه فالجميع منفي بالآية وإن كان الامتنان والترغيب المذكوران يتما بنفي القسم الأول.
والدليل عليه في الآية تعلق نفي التكليف بقوله: " نفسا " وهو نكرة في سياق النفي يفيد العموم، وعليه فأي نفس مفروضة في أي حادثة لا تكلف إلا وسعها ولا يتعلق بها حكم حرجي سواء كان حرجيا من أصله أو صار حرجيا في خصوص المورد.
وقد ظهر أن في الآية إمضاء لدرجات الاعتقاد بحسب مراتب العقول ورفعا للحرج سواء كان في أصل الحكم أو طارئا عليه.
وقوله: " وعندنا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون " ترغيب لهم بتطييب
(٤٢)
مفاتيح البحث: الوسعة (1)، الصّلاة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»
الفهرست