منها إليها كذبوه فأتبعنا بعضهم أي بعض هذه الأمم بعضا أي بالعذاب وجعلناهم أحاديث أي صيرناهم قصصا وأخبارا بعد ما كانوا أعيانا ذوات آثار فليبعد قوم لا يؤمنون.
والآيات تدل على أنه كان من سنة الله إنشاء قرن بعد قرن وهدايتهم إلى الحق بإرسال رسول بعد رسول وهي سنة الابتلاء والامتحان ومن سنة القرون تكذيب الرسول بعد الرسول ثم من سنة الله ثانيا - وهي سنة المجازاة - تعذيب المكذبين واتباع بعضهم بعضا.
وقوله: " وجعلناهم أحاديث " أبلغ كلمة تفصح عن القهر الإلهي الذي يغشى أعداء الحق والمكذبين لدعوته حيث يمحو العين ويعفو الأثر ولا يبقى إلا الخبر.
قوله تعالى: " ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين " الآيات هي العصا واليد البيضاء وسائر الآيات التي أراها موسى فرعون وقومه، والسلطان المبين الحجة الواضحة، وتفسير بعضهم السلطان بالعصا غير سديد.
قوله تعالى: " إلى فرعون وملائه فاستكبروا وكانوا قوما عالين " قيل: إنما ذكر ملا فرعون واكتفى بهم عن ذكر قومه لانهم الاشراف المتبوعون وسائر القوم اتباع يتبعونهم.
والمراد بكونهم عالين أنهم كانوا يعلون على غيرهم فيستعبدونهم كما علوا على بني إسرائيل واستعبدوهم فالعلو في الأرض كناية عن التطاول على أهلها وقهرهم على الطاعة.
قوله تعالى: " فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون " المراد بكونهما بشرين مثلهم نفي أن يكون لهما فضل عليهم، وبكون قومهما لهم عابدين فضلهم عليهما كما فضلوا على قومهما فإذا كان الفضل لهم عليهما كان من الواجب أن يعبداهم كما عبدهم قومهما لا أن يؤمنوا بهما كما قال فرعون لموسى: " لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين " ثم ختم تعالى القصة بذكر هلاكهم فقال: " فكذبوهما فكانوا من المهلكين " ثم قال: " ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون " والمراد بهم بنو إسرائيل لان التوراة إنما نزلت بعد هلاك فرعون وملائه.
قوله تعالى: " وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين "