تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٨٥
بالاستحقاق بل هي فضل من الله فليس يستحق أحد على الله سبحانه شيئا لكنه سبحانه قضي على نفسه الهداية و الرزق والإماتة والاحياء لكل ذي نفس ولم يقض المغفرة لكل ذي خطيئة فقال: " فورب السماء والأرض أنه لحق " الذاريات " 23، وقال:
" كل نفس ذائقة الموت " الأنبياء: 35، وقال: " إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا " يونس: 4، وقال في المغفرة: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " النساء: 48.
ونسبة الخطيئة إلى نفسه وهو عليه السلام نبي معصوم من المعصية دليل على أن المراد بالخطيئة غير المعصية بمعني مخالفة الامر المولوي فإن للخطيئة والذنب مراتب تتقدر حسب حال العبد في عبوديته كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: " واستغفر لذنبك ".
فالخطيئة من مثل إبراهيم عليه السلام اشتغاله عن ذكر الله محضا بما تقتضيه ضروريات الحياة كالنوم والأكل والشرب ونحوها وإن كانت بنظر آخر طاعة منه عليه السلام كيف؟
وقد نص تعالى على كونه عليه السلام مخلصا لله لا يشاركه تعالى فيه شئ إذ قال: " إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار " ص: 46، وقد قدمنا كلاما له تعلق بهذا المقام في آخر الجزء السادس وفي قصص إبراهيم في الجزء السابع من الكتاب.
قوله تعالى: " رب هب لي حكما والحقني بالصالحين " لما ذكر عليه السلام نعم ربه المستمرة المتوالية المتراكمة عليه منذ خلق إلى ما لا نهاية له من أمد البقاء وصور بذلك شمول اللطف والحنان الإلهي أخذته جاذبة الرحمة الملتئمة بالفقر العبودي فدعته إلى إظهار الحاجة وبث المسألة فالتفت من الغيبة إلى الخطاب فسأل ما سأل.
فقوله: " رب " أضاف الرب إلى نفسه بعد ما كان يصفه بما أنه رب العالمين إثارة للرحمة الإلهية وتهييجا للعناية الربانية لاستجابة دعائه ومسألته.
وقوله: " هب لي حكما " يريد بالحكم ما تقدم في قول موسى عليه السلام: " فوهب لي ربي حكما " الآية 21 من السورة وهو - كما تقدم - صابة النظر والرأي في المعارف الاعتقادية والعملية الكلية وتطبيق العمل عليها كما يشير إليه قوله تعالى: " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " الأنبياء: 25، وهو
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»
الفهرست