ويؤيد هذا المعنى أنه تعالى حكى في موضع آخر هذا الكلام عن الملا أنفسهم إذ قال: " قال الملا من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون " الأعراف: 110. وظاهر أن المراد بأمرهم إشارتهم على فرعون أن افعل بهما كذا.
وقيل: إن سلطان المعجزة بهره وأدهشه فضل عن عجبه وتكبره وغشيته المسكنة فلم ماذا يقول؟ ولا كيف يتكلم؟
قوله تعالى: " قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم " القائلون هم الملا حوله وهم أشراف قومه، وقوله: " أرجه " بسكون الهاء على القراءة الدائرة وهو أمر من الارجاء بمعنى التأخير أي أخر موسى وأخاه وأمهلهما ولا تعجل إليهما بسياسة أو سجن ونحوه حتى تعارض سحرهما بسحر مثله.
وقرئ " أرجه " بكسر الهاء و " أرجئه " بالهمزة وضم الهاء وهما أفصح من القراءة الدائرة، والمعنى واحد على أي حال.
وقوله: " وابعث في المدائن حاشرين " المدائن جمع مدينة وهي البلدة والحاشر من الحشر وهو إخراج إلى مكان بإزعاج أي ابعث في البلاد عدة من شرطائك وجنودك يحشرون كل سحار عليم فيها ويأتوك بهم لتعارضهما بسحرهم.
والتعبير بالسحارون الساحر للإشارة إلى أن هناك من هو أعلم منه بفنون السحر وأكثر عملا.
قوله تعالى: " فجمع السحرة لميقات يوم معلوم "، هو يوم الزينة الذي اتفق موسى وفرعون على جعله ميقاتا للمعارضة كما في سورة طه ففي الكلام إيجاز وتلخيص.
قوله تعالى: " وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين " الاستفهام لحث الناس وترغيبهم على الاجتماع.
قال في الكشاف ما حاصله أن المراد باتباع السحرة اتباعهم في دينهم - وكانوا متظاهرين بعبادة فرعون كما يظهر من سياق الآيات التالية - وليس مرادهم بذلك إلا أن لا يتبعوا موسى لا اتباع السحرة، وإنما ساقوا كلامهم مساق الكناية ليحملوا به السحرة على الاهتمام والجد في المغالبة.