على الشئ ملازمته والإقامة عنده، واللام في " لها " للتعليل أي ندوم عاكفين عليها لاجلها وهو تفريع على عبادة الأصنام.
والصنم جثة مأخوذة من فلز أو خشب أو غير ذلك على هيئة خاصة يمثل بها ما في المعبود من الصفات، وهؤلاء كانوا يعبدون الملائكة والجن وهم يرون أنها روحانيات خارجة عن عالم الأجسام منزهة عن وخواص المادة وآثارها، ولما كان من الصعب عليهم التوجه العبادي إلى هذه الروحانيات باستحضارها للادراك توسلوا إلى ذلك باتخاذ صور وتماثيل جسمانية تمثل بأشكالها وهيئاتها ما هناك من المعنويات.
وكذلك الحال في عبادة عباد الكواكب لها فإن المعبود الأصلي هناك روحانيات الكواكب ثم اتخذ أجرام الكواكب أصناما لروحانياتها ثم لما اختلفت أحوال الكواكب بالحضور والغيبة والطلوع والغروب اتخذوا لها أصناما تمثل ما للكواكب من القوى الفعالة فيما دونها من عالم العناصر كالقوة الفاعلة للطرب والسرور والنشاط في الزهرة فيصورونها في صورة فتاة، ولسفك الدماء في المريخ، وللعلم والمعرفة في عطارد وعلى هذا القياس الامر في أصنام القديسين من الانسان.
فالأصنام إنما اتخذت ليكون الواحد منها مرآة لرب الصنم من ملك أو جن أو إنسان غير أنهم يعبدون الصنم نفسه بتوجيه العبادة إليه والتقرب منه ولو تعدوا عن الصنم إلى ربه عبدوه دون الله سبحانه.
وهذا هو الذي يكذب قول القائل منهم: إن الصنم إنما هي قبلة لم تتخذ إلا جهة للتوجه العبادي لا مقصودة بالذات كالكعبة عند المسلمين وذلك أن القبلة هي ما يستقبل في العبادة ولا يستقبل بالعبادة وهم يستقبلون الصنم في العبادة وبالعبادة، وبعبارة أخرى التوجه إلى القبلة والعبادة لرب القبلة وهو الله عز اسمه وأما الصنم فالتوجه إليه والعبادة له لا لربه ولو فرض أن العبادة لربه وهو شئ من الروحانيات كانت له لا لله فالله سبحانه غير معبود في ذلك على أي حال.
وبالجملة فجوابهم عن سؤال إبراهيم: " ما تعبدون " بقولهم: " نعبد أصناما " إبانة أن هذه الأجسام المعبودة ممثلات مقصودة لغيرها لا لنفسها، وقد أخذ إبراهيم قولهم: " نعبد " وخاصمهم به فإن استقلال الأصنام بالمعبودية لا يجامع كونها أصناما