تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٨٨
يومئذ فهذه البنية الضعيفة لا تقوم دون الأهوال التي تواجهها يوم القيامة إلا بنصر وتأييد منه تعالى.
وقوله: " يوم لا ينفع مال ولا بنون " الظرف بدل من قوله: " يوم يبعثون " وبه يندفع قول من قال: إن قول إبراهيم قد انقطع في " يبعثون " والآية إلى تمام خمسة عشر آية من كلام الله تعالى.
والآية تنفي نفع المال والبنين يوم القيامة وذلك أن رابطة المال والبنين التي هي المناط في التناصر والتعاضد في الدنيا هي رابطة وهمية اجتماعية لا تؤثر أثرا في الخارج من ظرف الاجتماع المدني ويوم القيامة يوم انكشاف الحقائق وتقطع الأسباب فلا ينفع فيه مال بماليته ولا بنون بنسبة بنوتهم وقرابتهم، قال تعالى: " ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم " الانعام: 94، وقال: " فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " المؤمنون: 101.
فالمراد بنفي نفع المال والبنين يوم القيامة نفي سببيتهما الوضعية الاعتبارية في المجتمع الانساني في الدنيا فإن المال نعم السبب والوسيلة في المجتمع للظفر بالمقاصد الحيوية، وكذا البنون نعمت الوسيلة للقوة والعزة والغلبة والشوكة، المال والبنون عمدة ما يركن إليهما ويتعلق بهما الانسان في الحياة الدنيا فنفي نفعهما يوم القيامة كالكناية عن نفي نفع كل سبب وضعي اعتباري في المجتمع الانساني يتوسل به إلى جلب المنافع المادية كالعلم والصنعة والجمال وغيرها.
وبعبارة أخرى نفي نفعهما في معنى الاخبار عن بطلان الاجتماع المدني بما يعمل فيه من الأسباب الوضعية الاعتبارية كما يشير إليه قوله تعالى: " ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون ".
وقوله: " إلا من أتى الله بقلب سليم " قال الراغب: السلم والسلامة التعري من الآفات الظاهرة والباطنة. انتهى. والسياق يعطي أنه عليه السلام في مقام ذكر معنى جامع يتميز به اليوم من غيره وقد سأل ربه أولا أن ينصره ولا يخزيه يوم لا ينفعه ما كان ينفعه في الدنيا من المال والبنين، ومقتضي هذه التوطئة أن يكون المطلوب بقوله: " إلا من أتى الله بقلب سليم " بيان ما هو النافع يومئذ وقد ذكر فيه الاتيان بالقلب السليم.
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»
الفهرست