تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٨٦
وحي المعارف الاعتقادية والعملية التي يجمعها التوحيد والتقوى، وقوله تعالى:
" وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين " الأنبياء:
73، وهو وحي التسديد والهداية إلى الصلاح في مقام العمل، وتنكير الحكم لتفخيم أمره.
وقوله: " والحقني بالصالحين " الصلاح - على ما ذكره الراغب - يقابل الفساد الذي هو تغير الشئ عن مقتضي طبعه الأصلي فصلاحه كونه على مقتضى الطبع الأصلي فيترتب عليه من الخير والنفع ما من شأنه أن يترتب عليه من غير أن يفسد فيحرم من آثاره الحسنة.
وإذ كان " الصالحين " غير مقيد بالعمل ونحوه فالمراد به الصالحون ذاتا لا عملا فحسب وإن كان صلاح الذات لا ينفك عنه صلاح العمل، قال تعالى: " البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه " الأعراف: 58.
فصلاح الذات كونها تامة الاستعداد لقبول الرحمة الإلهية وإفاضة كل خير وسعادة من شأنها أن تتلبس به من غير أن يقارنها ما يفسدها من اعتقاد باطل أو عمل سيئ وبذلك يتبين أن الصلاح الذاتي من لوازم موهبة الحكم بالمعني الذي تقدم وإن كان الحكم أخص موردا من الصلاح وهو ظاهر.
فمسألته الالحاق بالصالحين من لوازم مسألة موهبة الحكم وفروعها المترتبة عليها فيعود معنى قوله: " رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين " إلى مثل قولنا: رب هب لي حكما وتمم أثره في وهو الصلاح الذاتي.
وقد تقدم في تفسير قوله تعالى: " وإنه في الآخرة لمن الصالحين " البقرة: 130 في الجزء الأول من الكتاب كلام له تعلق بهذا المقام.
قوله تعالى: " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " إضافة اللسان إلى الصدق لامية تفيد اختصاصه بالصدق بحيث لا يتكلم إلا به، وظاهر جعل هذا اللسان له أن يكون مختصا به كلسانه لا يتكلم إلا بما في ضميره مما يتكلم هو به فيؤل المعنى إلى مسألة أن يبعث الله في الآخرين من يقوم بدعوته ويدعوا الناس إلى ملته وهي دين التوحيد.
فتكون الآية في معنى قوله في سورة الصافات بعد ذكر إبراهيم عليه السلام: " وتركنا
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»
الفهرست