تقدم من عدم الدليل على عبادة الأصنام إلا التقليد بل بطلانها من أصلها أي فإذا كانت باطلة لا حجة لكم عليها إلا تقليد آبائكم فهذه الأصنام التي رأيتموها أي هذه بأعيانها التي تعبدونها أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنها عدو لي لان عبادتها ضارة لديني مهلكة لنفسي فليست إلا عدوا لي.
وذكر آبائهم الأقدمين للدلالة على أنه لا يأخذ بالتقليد كما أخذوا وأن لا وقع عنده ع لتقدم العهد، ولا أثر عليه السلام للسبق الزماني في إبطال حق أو إحقاق باطل، وإرجاع ضمير أولي العقل إلى الأصنام المكان نسبة العبادة إليها وهي تستلزم الشعور والعقل، وهو كثير الوقوع في القرآن.
وقوله: " إلا رب العالمين " استثناء منقطع من قوله: " فإنهم عدو لي " أي لكن رب العالمين ليس كذلك.
قوله تعالى: " الذي خلقني فهو يهدين - إلى قوله - يوم الدين " لما استثنى رب العالمين جل اسمه وصفه بأوصاف تتم بها الحجة على أنه تعالى ليس عدوا له بل رب رحيم ذو عناية بحاله منعم عليه بكل خير دافع عنه كل شر فقال: " الذي خلقني " " الخ " وأما قول القائل: إن قوله: " الذي خلقني " الخ استيناف من الكلام لا يعبأ به.
فقوله: " الذي خلقني " فهو يهدين بدأ بالخلق لان المطلوب بيان استناد تدبير أمره إليه تعالى بطريق إعطاء الحكم بالدليل، والبرهان على قيام التدبير به تعالى قيام الخلق والايجاد به لوضوح أن الخلق والتدبير لا ينفكان في هذه الموجودات الجسمانية التدريجية الوجود التي تستكمل الوجود على التدريج فليس من المعقول أن يقوم الخلق بشئ والتدبير بشئ وإذ كان الخلق والايجاد لله سبحانه فالتدبير له أيضا.
ولهذا عطف الهداية على الخلق بفاء التفريع فدل على أنه تعالى هو الهادي لأنه هو الخالق.
وظاهر قوله: " فهو يهديني " - وهو مطلق - أن المراد به مطلق الهداية إلى المنافع دنيوية كانت أو أخروية والتعبير بلفظ المضارع لإفادة الاستمرار فالمعنى أنه الذي خلقني ولا يزال يهديني إلى ما فيه سعادة حياتي منذ خلقني ولن يزال كذلك.
فيكون الآية في معنى ما حكاه الله عن موسى إذ قال لفرعون: " ربنا الذي أعطى