كل شئ خلقه ثم هدى " طه: 50، أي هداه إلى منافعه وهي الهداية العامة.
وهذا هو الذي أشير إليه في أول السورة بقوله: " أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم إن في ذلك لآية " وقد مر تقرير الحجة فيه.
وعلى هذا فما سيأتي في قوله: " والذي هو يطعمني " الخ من الصفات المعدودة من قبيل ذكر الخاص بعد العام فإنها جميعا من مصاديق الهداية العامة بعضها هداية إلى منافع دنيوية وبعضها هداية إلى ما يرجع إلى الآخرة.
ولو كان المراد بالهداية الهداية الخاصة الدينية فالصفات المعدودة على رسلها وذكر الهداية بعد الخلقة، وقديمها على سائر النعم والمواهب لكونها أفضل النعم بعد الوجود.
وقوله: " والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين " هو كالكناية عن جملة النعم المادية التي يرزقه الله إياها لتتميم النواقص ورفع الحوائج الدنيوية، وقد خص بالذكر منها ما هو أهمها وهو الاطعام والسقي والشفاء إذا مرض.
ومن هنا يظهر أن قوله: " وإذا مرضت " توطئة وتمهيد لذكر الشفاء، فالكلام في معنى يطعمني ويسقيني ويشفين، ولذا نسب المرض إلى نفسه لئلا يختل المراد بذكر ما هو سلب النعمة بين النعم، وأما قول القائل: إنه إنما نسب المرض إلى نفسه مع كونه من الله للتأدب فليس بذاك.
وإنما أعاد الموصول فقال: " الذي هو يطعمني " الخ، ولم يعطف الصفات على ما في قوله: " الذي خلقني فهو يهدين " للدلالة على أن كلا من الصفات المذكورة في هذه الجمل المترتبة كان في إثبات كونه تعالى هو الرب المدبر لامره والقائم على نفسه المجيب لدعوته.
وقوله: " والذي هو يميتني ثم يحيين " يريد الموت المقضي لكل نفس المدلول عليه بقوله: " كل نفس ذائقة الموت " الأنبياء: 35، وليس بانعدام وفناء بل انتقال من دار إلى دار من جملة التدبير العام الجاري والمراد بالاحياء إفاضة الحياة بعد الموت.
وقوله: " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " أي يوم الجزاء وهو يوم القيامة، ولم يقطع بالمغفرة كما قطع في الأمور المذكورة قبلها لان المغفرة ليست