لا يقبل إلا تدبيرا متصلا واحدا، وكما أن كل أمة حاضرة لها ارتباط وجودي بالأمم الماضية ارتباط الاخلاف بالاسلاف فالنوع واحد والتدبير واحد فالمدبر واحد.
وقد بدل قوله في الجواب الأول: " إن كنتم موقنين " من قوله ههنا: " إن كنتم تعقلون " تعريضا له حيث قال لمن حوله: " ألا تستمعون " استهزاء به وإهانة له، ثم رماه ثانيا بالجنون واختلال الكلام فأشار عليه السلام بقوله: " إن كنتم تعقلون " إلى أنهم هم المحرومون من نعمة التعقل والتفقه ولو كانوا يعقلون لفهموا أن جوابه الأول ليس بتكرار غير مفيد ولكفاهم حجة على توحيدا لرب وأن القائم بتدبير جميع العالمين من السماوات والأرض وما بينهما مدبر واحد لا مدبر سواه ولا رب غيره.
وقد تبين بما ذكر أن الآية أعني قوله: " رب المشرق " الخ، تقرير آخر لقوله في الجواب الأول: " رب السماوات والأرض وما بينهما " وأنه برهان على وحدة المدبر من طريق وحدة التدبير وفي ذلك تعريف لرب العالمين بأنه المدبر الواحد الذي يدل عليه التدبير الواحد في جميع العالمين، نعم البيان الذي يشير إليه هذه الآية أوضح لاشتماله على معنى الشروق والغروب وكونهما من التدبير ظاهر.
وقد ذكروا أن الحجج المودعة في الآيات حجج على وحدانية ذات الواجب بالذات ونفي الشريك في وجوب الوجود وقد تقدم عدم استقامته البتة.
وقوله: " قال لئن اتخذت إلها غيري لا جعلنك من المسجونين " تهديد منه لموسى عليه السلام لو دام على ما يقول به من ربوبية رب العالمين مدعيا أنه رسول منه وهذا دأب الجاهل المعاند إذا انقطعن الحجة أخذ في التهديد وتشبث بالوعيد.
واتخاذ إله غيره كناية عن القول بربوبية رب العالمين الذي يدعو إليه موسى وإنما لم يذكره صونا للسانه عن التفوه باسمه، ولم يعبأ بسائر الآلهة التي كانوا يعبدونها استكبارا وعلوا، وكأن السجن كان جزاء المعرضين عنه المنكرين لالوهيته.
والظاهر أن اللام في المسجونين للعهد، والمعنى: لو دمت على ما تقول لا جعلنك في زمرة الذين في سجني على ما تعلم من سوء حالهم وشدة عذابهم، ولهذا لم يعدل عن هذا التعبير إلى مثل قولنا: لأسجننك مع اختصاره.
قوله تعالى: " قال أولو جئتك بشئ مبين " القائل هو موسى عليه السلام والمراد