تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٣٢
وقال بعضهم: إنه متصل والكلام بحذف مضاف والتقدير إلا فعل من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بالايمان والطاعة حسبما أدعو إليهما. وفيه أخذ استجابتهم له أجرا لنفسه وقطعا لشائبة الطمع بالكلية وتطييبا لأنفسهم، ويرجع هذا الوجه بحسب المعنى إلى ما قدمناه ويمتاز منه بتقدير مضاف والتقدير خلاف الأصل.
وقال آخرون: إنه متصل بتقدير مضاف والتقدير لا أسألكم عليه من أجر إلا أجر من شاء " الخ " أي إلا الاجر الحاصل لي من إيمانه فإن الدال على الخير كفاعله. وفيه أن مقتضى هذا المعنى أن يقال: الا من اتخذ إلى ربه سبيلا فلا حاجة إلى تعليق الاتخاذ بالمشية والاجر إنما يترتب على العمل دون مشيته.
قوله تعالى: " وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا " لما سجل على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن ليس له من أمرهم شئ إلا الرسالة وأمره أن يبلغهم أن لا بغية له في دعوتهم إلا الاستجابة لها وأنهم على خيرة من أمرهم إن شاؤوا آمنوا وإن شاؤوا كفروا تمم ذلك بأمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يتخذ تعالى وكيلا في أمرهم فهو تعالى عليهم وعلى كل شئ وكيل وبذنوب عباده خبير.
فقوله: " وتوكل على الحي الذي لا يموت " أي اتخذه وكيلا في أمرهم يحكم فيهم ما يشاء ويفعل بهم ما يريد فإنه الوكيل عليهم وعلى كل شئ وقد عدل عن تعليق التوكل بالله إلى تعليقه بالحي الذي لا يموت ليفيد التعليل فإن الحي الذي لا يموت لا يفوته فائت فهو المتعين لان يكون وكيلا.
وقوله: " وسبح بحمده " أي نزهه عن العجز والجهل وكل ما لا يليق بساحة قدسه مقارنا ذلك للثناء عليه بالجميل فإن أمهلهم واستدرجهم بنعمه فليس عن عجز فعل بهم ذلك ولا عن جهل بذنوبهم وإن أخذهم بذنوبهم فبحكمة اقتضته وباستحقاق منهم استدعى ذلك فسبحانه وبحمده.
وقوله: " وكفى به بذنوب عباده خبيرا " مسوق للدلالة على توحيده في فعله وصفته فهو الوكيل المتصرف في أمور عباده وحده وهو خبير بذنوبهم وحاكم فيهم وحده من غير حاجة إلى من يعينه في علمه أو في حكمه.
ومن هنا يظهر أن الآية التالية: " الذي خلق السماوات والأرض " متممة لقوله:
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»
الفهرست