تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٣٩
قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما - 77.
(بيان) تذكر الآيات من محاسن خصال المؤمنين ما يقابل ما وصف من صفات الكفار السيئة ويجمعها أنهم يدعون ربهم ويصدقون رسوله والكتاب النازل عليه قبال تكذيب الكفار لذلك وإعراضهم عنه إلى اتباع الهوى، ولذلك تختتم الآيات بقوله: " قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما " وبه تختتم السورة.
قوله تعالى: " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " لما ذكر في الآية السابقة استكبارهم على الله سبحانه وإهانتهم بالاسم الكريم: الرحمن، قابله في هذه الآية بذكر ما يقابل ذلك للمؤمنين وسماهم عبادا وأضافهم إلى نفسه متسميا باسم الرحمن الذي كان يحيد عنه الكفار وينفرون.
وقد وصفتهم الآية بوصفين من صفاتهم: أحدهما: ما اشتمل عليه قوله: " الذين يمشون على الأرض هونا " والهون على ما ذكره الراغب التذلل، والأشبه حينئذ أن يكون المشي على الأرض كناية عن عيشتهم بمخالطة الناس ومعاشرتهم فهم في أنفسهم متذللون لربهم ومتواضعون للناس لما أنهم عباد الله غير مستكبرين على الله ولا مستعلين على غيرهم بغير حق، وأما التذلل لأعداء الله إبتغاء ما عندهم من العزة الوهمية فحاشاهم وإن كان الهون بمعنى الرفق واللين فالمراد أنهم يمشون من غير تكبر وتبختر.
وثانيهما: ما اشتمل عليه قوله: " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " أي إذا خاطبهم الجاهلون خطابا ناشئا عن جهلهم مما يكرهون أن يخاطبوا به أو يثقل عليهم كما يستفاد من تعلق الفعل بالوصف أجابوهم بما هو سالم من القول وقالوا لهم قولا سلاما خاليا عن اللغو والاثم، قال تعالى: " لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما " الواقعة: 26، ويرجع إلى عدم مقابلتهم الجهل بالجهل.
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»
الفهرست