الملك المطلق يومئذ حق ثابت للرحمان وذلك لبطلان الأسباب وزوال ما بينها وبين مسبباتها من الروابط المتنوعة، وقد تقدم غير مرة أن المراد بذلك في يوم القيامة هو ظهور أن الملك والحكم لله والامر إليه وحده، وأن لا استقلال في شئ من الأسباب على خلاف ما كان يتراءى من ظاهر حالها في نشأة الدنيا قبل قيام الساعة ورجوع كل شي إليه تعالى.
وقوله: " وكان يوما على الكافرين عسيرا " الوجه فيه ركونهم إلى ظواهر الأسباب وإخلادهم إلى الحياة الأرضية البائدة الداثرة وانقطاعهم عن السبب الحقيقي الذي هو مالك الملك بالحقيقة وعن حياتهم الباقية المؤبدة فيصبحون اليوم ولا ملاذ لهم ولا معاذ.
فعلى هذا يكون الملك مبتدأ والحق خبره عرف لإفادة الحصر، ويومئذ ظرف لثبوت الخبر للمبتدأ، وفائدة التقييد الدلالة على ظهور حقيقة الامر يومئذ فإن حقيقة الملك لله سبحانه دائما، وإنما يختلف يوم القيامة مع غيره بزوال الملك الصوري عن الأشياء فيه وثبوته لها في غيره. وقال بعضهم: الملك بمعنى المالكية ويومئذ متعلق به والحق خبر الملك، وقيل:
يومئذ متعلق بمحذوف هو صفة للحق، وقيل: المراد بيومئذ هو يوم الله، وقيل:
يومئذ هو الخبر للملك والحق صفة للمبتدأ، وهذه أقوال ردية لا جدوي لها.
قوله تعالى: " ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا " قال الراغب في المفردات: العض أزم بالأسنان، قال تعالى: " عضوا عليكم الأنامل " و " ويوم يعض الظالم " وذلك عبارة عن الندم لما جرى به عادة الناس أن يفعلوه عند ذلك. انتهى. ولذلك يتمنى عنده ما فات من واجب العمل كما حكى الله تعالى عنهم قولهم: " يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ".
والظاهر أن المراد بالظالم جنسه وهو كل من لم يهتد بهدي الرسول، وكذا المراد بالرسول جنسه وإن انطبق الظالم بحسب المورد على ظالمي هذه الأمة والرسول على محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
والمعنى: واذكر يوم يندم الظالم ندما شديدا قائلا من فرط ندمه يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ما إلى الهدى أي سبيل كانت.