يبلغه الناس لكان الدين المضمن فيه المراد من الناس دينا تامة أجزاؤه معلومة أصوله وفروعه مجموعة فرائضه وسننه وكان الكتاب المشتمل عليه منظمة أجزاؤه، مركبة بعضه على بعض.
وليس كذلك بل هو أقوال متفرقة يأتي بها في وقائع مختلفة وحوادث متشتتة ربما وقع واقع فأتى عند ذلك بشئ من الكلام مرتبط به يسمى جملها المنضودة آيات إلهية ينسبها إلى الله ويدعي أنها قرآن منزل إليه من عند الله سبحانه وليس إلا أنه يتعمل حينا بعد حين عند وقوع وقائع فيختلق قولا يفتريه على الله، وليس إلا رجلا صابئا ضل عن السبيل. هذا تقرير اعتراضهم على ما يستفاد من مجموع الاعتراض والجواب.
قوله تعالى: " كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا " الثبات ضد الزوال، والاثبات والتثبيت بمعنى واحد والفرق بينهما بالدفعة والتدريج، والفؤاد القلب والمراد به كما مر غير مرة الامر المدرك من الانسان وهو نفسه، والترتيل - كما قالوا - الترسيل والاتيان بالشئ عقيب الشئ، والتفسير - كما قال الراغب - المبالغة في إظهار المعنى المعقول كما أن الفسر بالفتح فالسكون إظهار المعنى المعقول.
وظاهر السياق أن قوله: " كذلك " متعلق بفعل مقدر يعلله قوله: " لنثبت " ويعطف عليه قوله: " ورتلناه " والتقدير نزلناه أي القرآن كذلك أي نجوما متفرقة لا جملة واحدة لنثبت به فؤادك، وقول بعضهم: إن " كذلك " من تمام قول الذين كفروا سخيف جدا.
فقوله: " كذلك لنثبت به فؤادك " بيان تام لسبب تنزيل القرآن نجوما متفرقة وبيان ذلك أن تعليم علم من العلوم وخاصة ما كان منها مرتبطا بالعمل بإلقاء المعلم مسائله واحدة بعد واحدة إلى المتعلم حتى تتم فصوله وأبوابه إنما يفيد حصولا ما لصور مسائله عند المتعلم وكونها مذخورة بوجه ما عنده يراجعها عند مسيس الحاجة إليها، وأما استقرارها في النفس بحيث تنمو النفس عليها وتترتب عليها آثارها المطلوبة منها فيحتاج إلى مسيس الحاجة والاشراف على العمل وحضور وقته.
ففرق بين بين أن يلقى الطبيب المعلم مثلا مسألة طبية إلى متعلم الطب إلقاء