عليكم أن تتعوذوا من العذاب إلى شئ فلا معاذ لكم هذا، والمعنى: الأول أقرب إلى السياق.
والآية في موضع الجواب عن قولهم: " لولا أنزل إلينا الملائكة " وقد أعرضت عن جواب قولهم: " أو نرى ربنا " فإن الرؤية التي كانوا يقصدونها بقولهم هي الرؤية البصرية التي تستلزم التجسم والمادية تعالى عن ذلك، وأما الرؤية بعين اليقين وهي الرؤية القلبية فلم يكونوا ممن يفقه ذلك وعلى تقديره ما كانوا يقصدونه.
وأما توضيح الجواب عن أمر إنزال الملائكة ورؤيتهم فقد أخذ أصل الرؤية مفروغا منه مسلما أن هناك يوما يرون فيه الملائكة غير أنه وضع الاخبار عن وصفهم يوم الرؤية موضع الاخبار عن أصل رؤيتهم للإشارة إلى أن طلبهم لرؤية الملائكة ليس يجرى على نفعهم فإنهم لا يرون الملائكة إلا يوم يشافهون عذاب النار وذلك بعد تبدل النشأة الدنيوية من النشأة الأخرى كما أشار إليه في موضع آخر بقوله: " ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين " الحجر: 8، فهم في مسألتهم هذه يستعجلون بالعذاب وهم يحسبون أنهم يعجزون الله ورسوله بالحجة.
وأما ما هو هذا اليوم الذي أشير إليه بقوله: " يوم يرون الملائكة " فقد ذكر المفسرون أنه يوم القيامة لكن الذي يعطيه السياق مع ما ينضم إليه من الآيات الواصفة ليوم الموت وما بعده كقوله: " ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون " الآية، الانعام: 93، وقوله: " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها " النساء: 97 إلى غير ذلك من الآيات.
أن المراد به الموت وهو المسمي في عرف القرآن برزخا فإن في الآيات دلالة قاطعة على أنهم يرون الملائكة ويشافهونهم بعد الموت قبل يوم القيامة، والمتعين - على ما يقتضيه طبع المخاصمة - في جواب من يجحد رؤية الملائكة أن يذكر له أول يوم يراهم بما يسوؤه وهو يوم الموت لا أن يخاصم بذكر رؤيتهم يوم القيامة وقوله لهم:
حجرا محجورا، وقد رآهم قبل ذلك وعذب بأيديهم أمدا بعيدا وهو ظاهر.