الكفر بحرمانهم من صراط الهداية فلا يهتدون إلى عيشة سعيدة في الدنيا ولا إلى نعمة باقية ورضوان من الله في الآخرة فلا يوجد عندهم ان كشف عن قلوبهم الا الشك والتردد والقلق والاضطراب والاسى والأسف والحسرة.
وقوله ويفعل الله ما يشاء أي يجرى تثبيت هؤلاء واضلال أولئك على ما تقتضيه مشيته لا مانع له ولا دافع فلا حائل بين مشيته وفعله.
ويظهر من ذلك أن الله تعالى قد شاء تثبيت هؤلاء واضلال أولئك وهو فاعلهما لا محاله فمن القضاء المحتوم سعادة المؤمن وشقاء الكافر وقد وردت به الرواية.
ووقوع لفظ الجلالة في قوله ويضل الله وقوله ويفعل الله من وقوع الظاهر موقع المضمر ويدل على فخامة الامر ومهابة الموقف كما قيل.
قوله تعالى: " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار " قال في المجمع الاحلال وضع الشئ في محل اما بمجاورة ان كان من قبيل الأجسام أو بمداخلة إن كان من قبيل الاعراض والبوار الهلاك يقال بار الشئ يبور بورا إذا هلك ورجل بور أي هالك وقوم بور أيضا انتهى.
وقال الراغب البوار فرط الكساد ولما كان فرط الكساد يؤدى إلى الفساد كما قيل كسد حتى فسد عبر بالبوار عن الهلاك يقال بار الشئ يبور بورا وبؤرا قال عز وجل: " تجارة لن تبور " انتهى.
والآية تذكر حال أئمة الكفر ورؤساء الضلال في ظلمهم وكفرانهم نعمة الله سبحانه التي أحاطت بهم من كل جهة بدل ان يشكروها ويؤمنوا بربهم وقد ذكر قبل كيفية خلقه تعالى السماوات والأرض على غنى منه وهى نعمة ثم ذكر كلمة الحق التي يدعو إليها وما لها من الآثار الثابتة الطيبة وهى نعمة.
والآية مطلقة لا دليل على تقييدها بكفار مكة أو كفار قريش وان كان الخطاب فيها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان في ذيلها مثل قوله: " قل تمتعوا فان مصيركم إلى النار " لظهور ان ذلك لا يوجب تقييدا في الآية مع اطلاق مضمونها وشمولها للطواغيت من الأمم وما صنعوا بأقوامهم.
فقوله: " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا " يذكر حال أئمة الكفر ورؤساء