(كلام في معنى الانتقام ونسبته إليه تعالى) الانتقام هو العقوبة لكن لا كل عقوبة بل عقوبة خاصة وهى ان تذيق غيرك من الشر ما يعادل ما أذاقك منه أو تزيد عليه قال تعالى: " ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله ".
وهو أصل حيوي معمول به عند الانسان وربما يشاهد من بعض الحيوان أيضا اعمال يشبه ان تكون منه وأيا ما كان يختلف الغرض الذي يبعث الانسان إليه فالداعي إليه في الانتقام الفردى هو التشفي غالبا فإذا سلب الواحد من الانسان غيره شيئا من الخير أو أذاقه شيئا من الشر وجد الذي فعل به ذلك في نفسه من الأسى والأسف ما لا تسكن فورته ولا تخمد ناره الا بأن يذيقه من الشر ما يعادل ما ذاق منه أو يزيد عليه فالعامل الذي يدعو إليه هو الاحساس الباطني واما العقل فربما اجازه وأنفذه وربما استنكف.
والانتقام الاجتماعي ونعني به القصاصات وأنواع المؤاخذات التي نعثر عليها في السنن والقوانين الدائرة في المجتمعات أعم من الراقية والهمجية الغالب فيه أن يكون الغرض الداعي إليه غاية فكرية ومطلوبا عقليا وهو حفظ النظام عن الاختلال وسد طريق الهرج والمرج فلو لا أصل الانتقام ومؤاخذة المجرم الجاني بما اجرم وجنى اختل الامن العام وارتحل السلام من بين الناس.
ولذا كان هذا النوع من الانتقام حقا من حقوق المجتمع وان كان ربما استصحب حقا فرديا كمن ظلم غيره بما فيه مؤاخذة قانونية فربما يؤاخذ الظالم استيفاء لحق المجتمع وان أبطل المظلوم حقه بالعفو.
فقد تبين ان من الانتقام ما يبتنى على الاحساس وهو الانتقام الفردى الذي غايته التشفي ومنه ما يبتنى على العقل وهو الانتقام الاجتماعي الذي غايته حفظ النظام وهو من حقوق المجتمع وان شئت قلت من حقوق السنة أو القانون الجاري في المجتمع فان استقامة الاحكام المعدلة لحياة الناس وسلامتها في نفسها تقتضي مؤاخذة المجرم المتخلف عنها واذاقته جزاء سيئته المر فهو من حقوق السنة والقانون كما أنه من حقوق المجتمع.