تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٥٧
قوله تعالى: " وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فان مصيركم إلى النار " الأنداد جمع ند وهو المثل وهم الالهة الذين اتخذوهم آلهة من دون الله من الملائكة والجن والانس.
وانما جعلوها أندادا مع اعترافهم بأنهم مخلوقون لله سبحانه من جهة أنهم سموهم آلهة وأربابا ونسبوا إليهم تدبير أمر العالم ثم عبدوهم خوفا وطمعا مع أن الامر والخلق كله لله وقد اعترفت بذلك فطرتهم وأيد الله ذلك بما الهمه أنبياءه ورسله من الآيات والحجج الدالة على وحدانيته.
فهم كانوا على بصيرة من أمر التوحيد لم يتخذوا الأنداد عن غفلة أو خطأ بل عمدوا إلى ذلك ابتغاء عرض الحياة الدنيا وليستعبدوا الناس ويستدروهم باضلالهم عن سبيل الله ولذلك علل اتخاذهم الأنداد بقوله ليضلوا عن سبيله ثم أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يوعدهم بالنار التي إليها مرجعهم لا مرجع لهم سواها فقال قل تمتعوا فان مصيركم إلى النار.
وكان من طبع الكلام أن يقال لهم اتخذوا الأنداد أو أضلوا عن سبيل الله فإن مصيركم إلى النار لكن بدل من قوله تمتعوا ليصرح بغرضهم الفاسد الذي كانوا يخفونه ليكون أبلغ في فضاحتهم.
قوله تعالى: " قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل ان يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال " لما توعدهم على لسان رسوله بعذاب يوم القيامة لاضلالهم الناس عن سبيل الله امره ان يأمر عباده الذين آمنوا بالتزام سبيله من قبل ان يأتي يوم القيامة فلا يسعهم تدارك ما فات منهم من السعادة بشئ من الأسباب الدائرة بينهم لذلك وهى ترجع إلى أحد شيئين اما المعارضة باعطاء شئ واخذ ما يعادله وهو البيع بالمعنى الأعم وأما الخلة والمحبة ولا اثر من هذه الأسباب في يوم محض للحساب والجزاء فان ذلك شأن يوم القيامة لا شأن له دون ذلك.
ومن هنا يظهر ان قوله يقيموا الصلاة وينفقوا بيان لسبيل الله وقد اكتفى بهذين الركنين اللذين بهما يلحق سائر الوظائف الشرعية مما يصلح حياة الانسان الدنيوية فيما بينه وبين ربه وما بينه وبين سائر افراد نوعه.
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»
الفهرست