تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٦٠
وقوله وسخر لكم الأنهار وهى المياه الجارية في مختلف أقطار الأرض وتسخيرها هو تذليلها بحيث ينتفع بها الانسان بالشرب والغسل وإزالة الأوساخ وغير ذلك ويعيش بها الحيوان والنبات المسخران له.
قوله تعالى: " وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار " قال الراغب الدأب إدامة السير دأب في السير دأبا قال تعالى: " وسخر لكم الشمس والقمر دائبين والدأب العادة المستمرة دائما على حالة قال تعالى: " كدأب آل فرعون أي كعادتهم التي يستمرون عليها انتهى ومعنى الآية واضح.
قوله تعالى: " وآتاكم من كل ما سألتموه وان تعدوا نعمه الله لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفار " السؤال هو الطلب ويفارقه ان السؤال انما يكون ممن يعقل والطلب أعم وانما تنبه الانسان للسؤال من جهة الحاجة الداعية إليه فاظهر له ان يرفع ما حلت به من حاجة وكانت الوسيلة العادية إليه هي اللفظ فتوسل به إليه وربما توسل إليه بإشارة أو كتابة وسمى سؤالا حقيقة من غير تجوز.
وإذ كان الله سبحانه هو الذي يرفع حاجة كل محتاج ممن سواه لا يتعلق شئ بذاته فيما يحتاج إليه في وجوده وبقائه الا بذيل جوده وكرمه سواء أقر به أو أنكره وهو تعالى اعلم بهم وبحاجاتهم ظاهرة وباطنة من أنفسهم كان كل من سواه عاكفا على باب جوده سائلا يسأله رفع ما حلت به من حاجة سواء أعطاه أو منعه وسواء أجابه في جميع ما سأل أو بعضه.
هذا هو حق السؤال وحقيقته يختص به تعالى لا يتعداه إلى غيره ومن السؤال ما هو لفظي كما تقدم ربما يسأل به الله سبحانه وربما يسأل به غيره فهو تعالى مسئول يسأله كل شئ بحقيقة السؤال ويسأله بعض الناس من المؤمنين به بالسؤال اللفظي.
هذا بالنسبة إلى السؤال واما بالنسبة إلى الايتاء وهو الاعطاء فقد اطلق من غير أن يقيد باستثناء ونحوه فيدل على أنه ما من سؤال الا وعنده اعطاء وهذه قرينة إن الخطاب للنوع كما يؤيده أيضا قوله ذيلا ان الانسان لظلوم كفار.
والمعنى ان النوع الانساني لم يحتج بنوعيته إلى نعمة من النعم الا رفع الله حاجته
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»
الفهرست