تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٥٢
فالقول بالوحدانية والاستقامة عليه هو حق القول الذي له أصل ثابت محفوظ عن كل تغير وزوال وبطلان وهو الله عز اسمه أو ارض الحقائق وله فروع نشأت ونمت من غير عائق يعوقه عن ذلك من عقائد حقة فرعية واخلاق زاكية واعمال صالحة يحيى بها المؤمن حياته الطيبة ويعمر بها العالم الانساني حق عمارته وهى التي تلائم سير النظام الكونى الذي ادى إلى ظهور الانسان بوجوده المفطور على الاعتقاد الحق والعمل الصالح.
والكمل من المؤمنين وهم الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فتحققوا بهذا القول الثابت والكلمة الطيبة مثلهم كمثل قولهم الذي ثبتوا لا يزال الناس منتفعين بخيرات وجودهم ومنعمين ببركاتهم.
وكذلك كل كلمة حقة وكل عمل صالح مثله هذا المثل له أصل ثابت وفروع رشيدة وثمرات طيبة مفيدة نافعة.
فالمثل المذكور في الآية يجرى في الجميع كما يؤيده التعبير بكلمة طيبة بلفظ النكرة غير أن المراد في الآية على ما يعطيه السياق هو أصل التوحيد الذي يتفرع عليه سائر الاعتقادات الحقة وينمو عليه الأخلاق الزاكية وتنشأ منه الأعمال الصالحة.
ثم ختم الله سبحانه الآية بقوله ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ليتذكر به المتذكر أن لا محيص لمريد السعادة عن التحقق بكلمة التوحيد والاستقامة عليها.
قوله تعالى: " ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار الاجتثاث الاقتلاع يقال جثته واجتثته أي قلعته واقتلعته والجث بالضم ما ارتفع من الأرض كالأكمة وجثة الشئ شخصه الناتئ كذا في المفردات.
والكلمة الخبيثة ما يقابل الكلمة الطيبة ولذا اختلفوا فيها فقال كل قوم فيها ما يقابل ما قاله في الكلمة الطيبة وكذا اختلفوا في المراد بالشجرة الخبيثة فقيل هي الحنظلة وقيل الكشوث وهو نبت يلتف على الشوك والشجر لا أصل له في الأرض ولا ورق عليه وقيل شجرة الثوم وقيل شجرة الشوك وقيل الطحلب وقيل الكمأة وقيل كل شجرة لا تطيب لها ثمرة.
وقد عرفت حال هذه الاختلافات في الآية السابقة وعرفت أيضا ما يعطيه التدبر في معنى الكلمة الطيبة وما مثلت به ويجرى ما يقابله في الكلمة الخبيثة وما
(٥٢)
مفاتيح البحث: يوم عرفة (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»
الفهرست