قبل " إبراهيم: 22.
قوله تعالى: " وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون " السلم الاسلام والاستسلام وكان في التعبير بالقاء السلم إشارة إلى انضمام شئ من الخضوع والمقهورية بالقهر الإلهي إلى سلمهم.
وضمير ألقوا عائد إلى الذين أشركوا بقرينة قوله بعد وضل عنهم ما كانوا يفترون فالمراد إن المشركين يسلمون يوم القيامة لله وقد كانوا يدعون إلى الاسلام في الدنيا وهم يستكبرون.
وليس المراد بالقاء السلم هذا يوم القيامة هو انكشاف الحقيقة وظهور الوحدانية وهو مدلول قوله في صفة يوم القيامة: " ويعلمون إن الله هو الحق المبين " النور: 25 لان العلم بثبوت شئ أمر والتسليم والايمان بثبوته أمر آخر كما يظهر من قوله تعالى:
" وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم " النمل: 14.
ومجرد العلم بأن الله هو الحق لا يكفي في سعادة الانسان بل تحتاج في تمامها إلى تسليمه والايمان به بترتيب آثاره عليه ثم من التسليم والايمان ما كان عن طوع واختيار ومنه ما كان عن كره واضطرار والذي ينفع في السعادة هو التسليم والايمان عن اختيار وموطن الاختيار الدنيا التي هي دار العمل دون الآخرة التي هي دار الجزاء.
وهم لم يسلموا للحق ما داموا في الدنيا وان أيقنوا به حتى إذا وردوا الدار الآخرة وأوقفوا موقف الحساب عاينوا ان الله هو الحق المبين وان عذاب الشقاء أحاط بهم من كل جانب أسلموا للحق وهم مضطرون وليس ينفعهم وإلى هذا العلم والتسليم الاضطراري يشير قوله تعالى: " يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون إن الله هو الحق المبين " النور: 25 فصدر الآية يخبر عن اسلامهم لأنه الدين الحق قال تعالى: " إن الدين عند الله الاسلام " آل عمران: 19 وذيل الآية عن انكشاف الحق لهم وظهور الحقيقة عليهم.
والآية المبحوث عنها أعني قوله وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون صدرها يشير إلى اسلامهم وذيلها إلى كون ذاك الاسلام اضطراريا لا ينفعهم لانهم كانوا يرون لله ألوهية ولشركائهم ألوهية فاختاروا تسليم شركائهم