انما هو تمهيد لأداء الشهود شهادتهم كما تلوح إليه آيات اخر كقوله: " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم " يس: 65 وقوله: " هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون " المرسلات: 36.
على أن سياق قوله ثم لا يؤذن الخ يفيد ان المراد بهذا الذي ذكر نفى ما يتقى به الشر يومئذ من الحيل وبيان انه لا سبيل إلى تدارك ما فات منهم واصلاح ما فسد من أعمالهم في الدنيا يومئذ وهو أحد أمرين الاعتذار أو استئناف العمل اما الثاني فيتكفله قوله ولا هم يستعتبون ولا يبقى للأول وهو الاعتذار بالكلام إلا قوله ثم لا يؤذن للذين كفروا.
ومن هنا يظهر ان قوله ولا هم يستعتبون أي لا يطلب منهم ان يعتبوا الله ويرضوه بيان لعدم امكان تدارك ما فات منهم بتجديد العمل والرجوع إلى السمع والطاعة فان اليوم يوم جزاء لا يوم عمل ولا سبيل إلى رجوعهم القهقرى إلى الدنيا حتى يعملوا صالحا فيجزوا به.
وقد بين سبحانه ذلك في مواضع أخرى من كلامه بلسان آخر كقوله تعالى: " يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون " القلم: 43 وقوله: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " ألم السجدة: 12.
قوله تعالى: " وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون " كانت الآية السابقة بالحقيقة مسوقة لبيان الفرق بين يوم الجزاء الذي هو يوم القيامة وبين سائر ظروف الجزاء في الدنيا بأن جزاء يوم القيامة لا يرتفع ولا يتغير باعتذار ولا باستعتاب وهذه الآية بيان فرق عذاب اليوم مع العذابات الدنيوية التي تتعلق بالظالمين في الدنيا فإنها تقبل بوجه التخفيف أو الانظار بتأخير ما وعذاب يوم القيامة لا يقبل تخفيفا ولا انظارا.
فقوله: " وإذا رأى الذين ظلموا العذاب " ذكر الظلم في الصلة دون الكفر ونحوه للدلالة على سبب الحكم وملاكه والمراد برؤية العذاب اشرافه عليهم