مقصود لغيره لا لنفسه وكيف كان فقوله ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم يدل على بعث واحد في كل أمة للشهادة على اعمال غيره وهو غير البعث بمعنى الاحياء للحساب بل بعث بعد البعث وانما جعل من أنفسهم ليكون أتم للحجة واقطع للمعذرة كما يفيده السياق وذكره المفسرون حتى أنهم ذكروا شهادة لوط على قومه ولم يكن منهم نسبا ووجهوه بأنه كان تأهل فيهم وسكن معهم فهو معدود منهم.
وقوله وجئنا بك شهيدا على هؤلاء يفيد انه صلى الله عليه وآله وسلم شهيد على هؤلاء واستظهروا ان المراد بهؤلاء هم أمته وأيضا انهم قاطبة من بعث إليه من لدن عصره إلى يوم القيامة ممن حضره ومن غاب ومن عاصره ومن جاء بعده من الناس.
وآيات الشهادة من معضلات آيات القيامة على ما في جميع آيات القيامة من الاعضال وصعوبة المنال وقد تقدم في ذيل قوله: " لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " البقرة: 143 في الجزء الأول من الكتاب نبذة من الكلام في معنى هذه الشهادة.
ومن الواجب قبل الورود في بحث الشهادة وسائر الأمور التي تصفها الآيات ليوم القيامة كالجمع والوقوف والسؤال والميزان والحساب ان يعلم أنه تعالى يعد في كلامه هذه الأمور في عداد الحجج التي تقام يوم القيامة على الانسان لتثبيت ما عمله من خير أو شر والقضاء عليه بما ثبت بالحجة القاطعة للعذر والمنيرة للحق ثم المجازاة بما يستوجبه القضاء من سعادة أو شقاء وجنة أو نار وهذا من أوضح ما يستفاد من آيات القيامة الشارحة لشؤن هذا اليوم وما يواجه الناس منها.
وهذا أصل مقتضاه ان يكون بين هذه الحجج واجزائها ونتائجها روابط حقيقية بينة يضطر العقل إلى الاذعان بها ولا يسع للانسان بما عنده من الشعور الفطري ردها ولا الشك والارتياب فيها.
وعلى هذا فمن الواجب ان تكون الشهادة القائمة هناك بإقامة منه تعالى مشتملة من الحقيقة على ما لا سبيل للمناقشة فيها والله سبحانه لو أمر اشقى الناس على أن يشهد على الأولين والآخرين بما عملوه باختيار من الشاهد أو يخلق الشهادة في لسانه بلا