تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٣٢٣
إرادة منه أو أن يشهد بما عملوه من غير أن يكون قد تحملها في الدنيا وشهدها شهود عيان بل معتمدا على اعلام من الله أو ملائكته أو على حجة ثم امضى تعالى ذلك وأنفذه وجازى به محتجا في جميع ذلك بشهادته ثانيا عليها لم يكن ذلك مما لا تطيقه سعة قدرته ولا يسعه نفوذ ارادته ولا استطاع أحد أن ينازعه في ملكه أو يعقب حكمه أو يغلبه على امره.
لكنها حجة تحكمية غير تامة لا تقطع بالحقيقة عذرا ولا تدفع ريبا نظير التحكمات التي نجدها من جبابرة الانسان والطواغيت العابثين بالحق والحقيقة وكيف يتصور لمثل هذه الحجج المختلقة عين أو اثر يوم لا عين فيه الا للحق ولا اثر فيه الا للحقيقة؟
وعلى هذا فمن الواجب ان يكون هذا الشهيد ذا عصمة الهية يمتنع عليه الكذب والجزاف وأن يكون عالما بحقائق الأعمال التي يشهد عليها لا بظاهر صورها وهيئاتها المحسوسة بل بحقيقة ما انعقدت عليه في القلوب وان يستوى عنده الحاضر والغائب من الناس كما تقدمت الإشارة إليه في تفسير آية سورة البقرة.
ومن الواجب أن تكون شهادته شهادة عن معاينة كما هو ظاهر لفظ الشهيد وظاهر تقييده بقوله من أنفسهم في قوله شهيدا عليهم من أنفسهم غير مستندة إلى حجة عقلية أو دليل سمعي ويشهد به قوله تعالى حكاية عن المسيح عليه السلام : " وكنت شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد " المائدة: 117.
وبهذا تتلاءم الآيتان مضمونا أعني قوله ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء وقوله: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " البقرة: 143.
فان ظاهر آية البقرة ان بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين الناس الذين هم عامة من بعث إليهم من زمانه إلى يوم القيامة شهداء يشهدون على أعمالهم وان الرسول انما هو شهيد على هؤلاء الشهداء دون سائر الناس إلا بواسطتهم ولا ينبغي ان يتوهم ان الأمة هم المؤمنون وغيرهم الناس وهم خارجون من الأمة فان ظاهر الآية السابقة في السورة " ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا " الآية إن الكفار من الأمة
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 ... » »»
الفهرست