اهتدائهم من المعارف الحقيقية المتعلقة بالمبدأ والمعاد والأخلاق الفاضلة والشرائع الإلهية والقصص والمواعظ فهو تبيان لذلك كله.
ومن صفته الخاصة أي المتعلقة بالمسلمين الذين يسلمون للحق انه هدى يهتدون به إلى مستقيم الصراط ورحمة لهم من الله سبحانه يحوزون بالعمل بما فيه خير الدنيا والآخرة وينالون به ثواب الله ورضوانه وبشرى لهم يبشرهم بمغفرة من الله ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم.
هذا ما ذكروه وهو مبنى على ما هو ظاهر التبيان من البيان المعهود من الكلام وهو اظهار المقاصد من طريق الدلالة اللفظية فإنا لا نهتدي من دلالة لفظ القرآن الكريم إلا على كليات ما تقدم لكن في الروايات ما يدل على أن القرآن فيه علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ولو صحت الروايات لكان من اللازم ان يكون المراد بالتبيان الأعم مما يكون من طريق الدلالة اللفظية فلعل هناك إشارات من غير طريق الدلالة اللفظية تكشف عن اسرار وخبايا لا سبيل للفهم المتعارف إليها.
والظاهر على ما يستفاد من سياق هذه الآيات المسوقة للاحتجاج على الأصول الثلاثة التوحيد والنبوة والمعاد والكلام فيها ينعطف مرة بعد أخرى عليها إن قوله ونزلنا عليك الكتاب الخ ليس باستئناف بل حال عن ضمير الخطاب في جئنا بك بتقدير قد أو بدون تقديرها على الخلاف بين النحاة في الجملة الحالية المصدرة بالفعل الماضي.
والمعنى وجئنا بك شهيدا على هؤلاء والحال إنا نزلنا عليك من قبل في الدنيا الكتاب وهو بيان لكل شئ من أمر الهداية يعلم به الحق من الباطل فيتحمل شهادة أعمالهم فيشهد يوم القيامة على الظالمين بما ظلموا وعلى المسلمين بما أسلموا لان الكتاب كان هدى ورحمة وبشرى لهم وكنت أنت بذلك هاديا ورحمة ومبشرا لهم.
وعلى هذا فصدر الآية كالتوطئة لذيلها كأنه قيل سيبعث شهداء يشهدون على الناس بأعمالهم وأنت منهم ولذلك نزلنا عليك كتابا يبين الحق والباطل ويميز بينهما حتى تشهد به يوم القيامة على الظالمين بظلمهم وقد تبين الكتاب وعلى المسلمين باسلامهم وقد كان الكتاب هدى ورحمة وبشرى لهم وكنت هاديا ورحمة ومبشرا به.