منه والشر بأقل منه انتهى موضع الحاجة.
وما ذكره على ما فيه من التفصيل يرجع إلى قولهم ان العدل هو لزوم الوسط والاجتناب عن جانبي الافراط والتفريط في الأمور وهو من قبيل التفسير بلازم المعنى فان حقيقة العدل هي إقامة المساواة والموازنة بين الأمور بأن يعطى كل من السهم ما ينبغي ان يعطاه فيتساوى في أن كلا منها واقع موضعه الذي يستحقه فالعدل في الاعتقاد أن يؤمن بما هو الحق والعدل في فعل الانسان في نفسه ان يفعل ما فيه سعادته ويتحرز مما فيه شقاؤه باتباع هوى النفس والعدل في الناس وبينهم أن يوضع كل موضعه الذي يستحقه في العقل أو في الشرع أو في العرف فيثاب المحسن باحسانه ويعاقب المسئ على إساءته وينتصف للمظلوم من الظالم ولا يبعض في إقامة القانون ولا يستثنى.
ومن هنا يظهر ان العدل يساوق الحسن ويلازمه إذ لا نعنى بالحسن إلا ما من طبعه ان تميل إليه النفس وتنجذب نحوه واقرار الشئ في موضعه الذي ينبغي ان يقر عليه من حيث هو كذلك مما يميل إليه الانسان ويعترف بحسنه ويقدم العذر لو خالفه إلى من يقرعه باللوم لا يختلف في ذلك اثنان وان اختلف الناس في مصاديقه كثيرا باختلاف مسالكهم في الحياة.
ويظهر أيضا ان ما عد الراغب في كلامه من الاعتداء والسيئة عدلا لا يخلو عن مسامحة فان الاعتداء والسيئة الذين يجازى بهما المعتدى والمسئ انما هما اعتداء وسيئة بالنسبة إليهما وأما بالنسبة إلى من يجازيهما بهما فهما من لزوم وسط الاعتدال وخصلة الحسن لكونهما من وضع الشئ موضعه الذي ينبغي ان يوضع فيه.
وكيف كان فالعدل وان كان منقسما إلى عدل الانسان في نفسه وإلى عدله بالنسبة إلى غيره وهما العدل الفردى والعدل الاجتماعي واللفظ مطلق لكن ظاهر السياق إن المراد به في الآية العدل الاجتماعي وهو أن يعامل كل من افراد المجتمع بما يستحقه ويوضع في موضعه الذي ينبغي ان يوضع فيه وهذا أمر بخصلة اجتماعية متوجه إلى افراد المكلفين بمعنى ان الله سبحانه يأمر كل واحد من افراد المجتمع أن يأتي بالعدل ولازمه أن يتعلق الامر بالمجموع أيضا فيكلف المجتمع إقامة هذا الحكم وتتقلده الحكومة