تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٣١٦
والانكار متقابلان كالعلم والجهل وهذا هو الدليل على أن المراد بالانكار وهو عدم المعرفة لازم معناه وهو الانكار في مقام العمل وهو عدم الايمان بالله ورسوله واليوم الآخر أو الجحود لسانا مع معرفتها قلبا لكن قوله وأكثرهم الكافرون يخص الجحود بأكثرهم كما سيجئ فيبقى للانكار المعنى الأول.
وقوله وأكثرهم الكافرون دخول اللام على الكافرون يدل على الكمال أي انهم كافرون بالنعم الإلهية أو بما تدل عليه من التوحيد وغيره جميعا لكن أكثرهم كاملون في كفرهم وذلك بالجحود عنادا والاصرار عليه والصد عن سبيل الله.
والمعنى يعرفون نعمة الله بعنوان انها نعمة منه ومقتضاه ان يؤمنوا به وبرسوله واليوم الآخر ويسلموا في العمل ثم إذا وردوا مورد العمل عملوا بما هو من آثار الانكار دون المعرفة وأكثرهم لا يكتفون بمجرد الانكار العملي بل يزيدون عليه بكمال الكفر والعناد مع الحق والجحود والاصرار عليه.
وفيما قدمناه كفاية لك عما اطال فيه المفسرون في معنى قوله وأكثرهم الكافرون مع أنهم جميعا كافرون بانكارهم من قول بعضهم انما قال أكثرهم لان منهم من لم تقم عليه الحجة كمن لم يبلغ حد التكليف أو كان مؤفا في عقله أو لم تصل إليه الدعوة فلا يقع عليه اسم الكفر.
وفيه ان هؤلاء خارجون على اطلاق الآية رأسا فإنها تذكر توبيخا وايعادا انهم ينكرون نعمة الله بعد ما عرفوها وهؤلاء ان كانوا ينكرونها كانوا بذلك كافرين وان لم ينكروها لم يدخلوا في اطلاق الآية قطعا وكيف يصح ان يقال انهم لم تقم عليهم الحجة وليست الحجة إلا النعمة التي يعدها الله سبحانه وهم يعرفونها؟
وقول بعضهم انما قال وأكثرهم الكافرون لأنه كان يعلم أن فيهم من سيؤمن وفيه انه قول لا دليل عليه.
وقول بعضهم ان المراد بالأكثر الجميع وانما عدل عن البعض احتقارا له ان يذكره ونسب إلى الحسن البصري وهو قول عجيب.
قيل وفي الآية دليل على فساد قول المجبرة انه ليس لله على الكافر نعمة
(٣١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»
الفهرست