تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٧٨
مبذول لكل مؤمن حتى الذين عدهم الله سبحانه في الآية السابقة من المشركين وذمهم بأنهم غافلون عن ربهم آمنون من مكره معرضون عن آياته وكيف يدعو إلى الله من كان غافلا عنه آمنا من مكره معرضا عن آياته وذكره؟ وقد وصف الله في آيات كثيرة أصحاب هذه النعوت بالضلال والعمى والخسران ولا تجتمع هذه الخصال بالهداية والارشاد البتة.
قوله تعالى: " وما أرسلنا من قبلك الا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى " إلى آخر الآية لما ذكر سبحانه حال الناس في الايمان به ثم حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته إياهم عن رسالة الهية من غير أن يسألهم فيها اجرا أو يجر لنفسه نفعا بين ان ذلك ليس ببدع من الامر بل مما جرت عليه السنة الإلهية في الدعوة الدينية فلم يكن الرسل الماضون ملائكة وانما بعثوا من بين هؤلاء الناس وكانوا رجالا من أهل القرى يخالطون الناس ويعرفون عندهم اوحى الله إليهم وأرسلهم نحوهم يدعونهم إليه كما أن النبي كذلك ومن الممكن ان يسير هؤلاء المدعوون في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم فبلادهم الخربة ومساكنهم الخالية تفصح عما آل إليه أمرهم وتنبئ عن عاقبة كفرهم وجحودهم وتكذيبهم لايات الله.
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يدعوهم الا كما كان يدعوهم الأنبياء من قبله وليس يدعوهم الا إلى ما فيه خيرهم وصلاح حالهم وهو ان يتقوا الله فيفلحوا ويفوزوا بسعادة خالدة ونعيم مقيم في دار باقية ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون.
فقوله " وما أرسلنا من قبلك الا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى " تطبيق لدعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على دعوة من قبله من الرسل ولعل توصيفهم بأنهم كانوا من أهل القرى للدلالة على أنهم كانوا من أنفسهم يعيشون بينهم ومعروفين عندهم بالمعاشرة والمخالطة ولم يكونوا ملائكة ولا من غير أنفسهم ويؤيد ذلك توصيفهم بأنهم كانوا رجالا فان الرجال كانوا أقرب إلى المعرفة من النساء ذوات الخدر.
وقوله " أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم " انذار لامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمثل ما انذر به الأمم الخالية فلم يسمعوا فذاقوا وبال أمرهم.
وقوله " ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون " بيان النصح وان ما يدعون إليه وهو التقوى ليس وراءه الا ما فيه كل خيرهم وجماع سعادتهم.
(٢٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 ... » »»
الفهرست