تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٧٩
غير الله شركاء له شفعاء عنده فلا دليل على ثبوت الشفاعة لهم من قبل الله سبحانه بل الدليل على خلافه فان الله حكم من طريق العقل وبلسان أنبيائه ان لا يعبد الا هو.
وبذلك يظهر فساد ما اورده البيضاوي في تفسيره تبعا للكشاف ان الآيتين تتضمنان دليلين على التوحيد فما في الأولى وهو قوله " أ أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار " دليل خطابي وما في الثانية وهو قوله ما تعبدون من دونه الا أسماء الخ برهان تام قال البيضاوي وهذا من التدرج في الدعوة والزام الحجة بين لهم اولا رجحان التوحيد على اتخاذ الالهة على طريق الخطابة ثم برهن على أن ما يسمونها آلهة ويعبدونها لا تستحق الإلهية فان استحقاق العبادة اما بالذات واما بالغير وكلا القسمين منتف عنهما ثم نص على ما هو الحق القويم والدين المستقيم الذي لا يقتضى العقل غيره ولا يرتضى العلم دونه انتهى.
ولعل الذي حداه إلى ذلك ما في الآية الأولى من لفظة الخير فاستظهر منه الرجحان الخطابي وقد فاته ما فيها من قيد الواحد القهار وقد عرفت تقرير ما تتضمنه الآيتان من البرهان وان الذي ذكره من معنى الآية الثانية هو مدلول مجموع الآيتين دون الثانية فحسب.
وربما يقرر مدلول الآيتين برهانين على التوحيد بوجه آخر ملخصه ان الله الواحد الذي يقهر بقدرته الأسباب المتفرقة التي تفعل في الكون ويسوقها على تلائم آثارها المتفرقة المتنوعة بعضها مع بعض حتى ينتظم منها نظام واحد غير متناقض الأطراف كما هو المشهود من وحدة النظام وتوافق الأسباب خير من أرباب متفرقين تترشح منها لتفرقها ومضادتها أنظمة مختلفة وتدابير متضادة تؤدى إلى انفصام وحدة النظام الكونى وفساد التدبير الواحد العمومي.
ثم الالهة المعبودة من دون الله أسماء لا دليل على وجود مسمياتها في الخارج بتسميتكم لا من جانب العقل ولا من جانب النقل لان العقل لا يدل الا على التوحيد والأنبياء لم يؤمروا من جهة الوحي الا بان لا يعبد الا الله وحده انتهى.
وهذا التقرير كما ترى ينزل الآية الأولى على معنى قوله تعالى: " لو كان فيهما
(١٧٩)
مفاتيح البحث: يوم عرفة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»
الفهرست