تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٣٦
الجزيل من الله من يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم أو مشارفة الهم كقولك قتلته لو لم أخف الله انتهى.
ورد هذا القول بأنه مخالف لما ثبت في اللغة من معنى الهم وهو القصد إلى الفعل مع مقارنته ببعض الأعمال الكاشفة عن ذلك من حركة إلى الفعل المراد أو شروع في بعض مقدماته كمن يريد ضرب رجل فيقوم إليه واما مجرد ميل الطبع ومنازعة القوة الشهوانية فليس يسمى هما البتة والهم بمعناه اللغوي مذموم لا ينبغي صدوره من نبي كريم والطبع وان كان غير مذموم لخروجه عن تحت التكليف لكنه لا يسمى هما.
أقول هذا انما يصلح جوابا لقولهم ان المراد بهمه (ع) ميل الطبع ومنازعة الشهوة واما تجويزه ان يكون المراد بالهم الاشراف على الهم فلا بل هو قول على حدة في معنى الآية وهو ان يفرق بين الهمين المذكورين فالمراد بهمها القصد العمدي إلى المخالطة وبهمه اشرافه (ع) على الهم بها من دون تحقق للهم بالفعل والقرينة عليه هو وصفه تعالى إياه بما فيه مدح بالغ ولو كان همه حقيقيا بالقصد العمدي إلى مخالطتها كان فعلا مذموما لا يتعلق به مدح أصلا فمن هنا يعلم أن المراد بهمه (ع) اشرافه على الهم لا الهم بالفعل.
والجواب انه معنى مجازى لا يصار إليه الا مع عدم امكان الحمل على المعنى الحقيقي وقد تقدم انه بمكان من الامكان.
على أن الذي ذكروه في معنى رؤيته برهان ربه وان المراد بها الرجوع إلى الحجة العقلية القاضية بوجوب الانتهاء عن النواهي الشرعية والمحارم الإلهية معنى بعيد من اللفظ إذ الرؤية لا تستعمل الا في الابصار الحسي أو المشاهدة القلبية التي هي بمنزلتها أو أظهر منها واما مجرد التفكر العقلي فلا يسمى رؤية البتة.
3 - ومن الأقوال في الآية ان المراد بالهمين مختلف فهمها هو قصدها مخالطته وهمه بها هو قصده ان يضربها للدفاع عن نفسه والدليل على التفرقة بين الهمين شهادته تعالى على أنه من عباده المخلصين وقيام الحجة عقلا على عصمة الأنبياء (ع) قال في مجمع البيان ان الهم في ظاهر الآية قد تعلق بما لا يصح تعلق العزم به على الحقيقة لأنه قال ولقد همت به وهم بها فعلق الهم بهما وذاتاهما لا يجوز ان يراد ويعزم عليهما لان الموجود الباقي لا يصح ان يراد ويعزم عليه فإذا حملنا الهم في الآية على العزم فلا بد
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»
الفهرست