وقوله: (فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي) بيان للمطلوب، وقوله: (ولا تخزون في ضيفي) عطف تفسيري لقوله: (فاتقوا الله) فإنه عليه السلام إنما كان يطلب منهم أن لا يتعرضوا لضيفه لتقوى الله لا لهوى نفسه وعصبية جاهلية منه، ولم يكن عنده فرق بين ضيفه وغيرهم فيما كان يردعهم، وقد وعظهم بالردع عن هذا الذنب الشنيع وألح على ذلك سنين متمادية.
وإنما علق الردع على معنى الضيافة وأضاف الضيف إلى نفسه وذكر الخزي الوارد عليه من التعرض لهم كل ذلك رجاء أن يهيج صفه الفتوة والكرامة فيهم ولذلك عقب ذلك بالاستغاثة والاستنصار بقوله: (أليس منكم رجل رشيد) لعله يجد فيهم ذا رشد إنساني فينتصر له وينجيه وضيوفه من أيدي أولئك الظالمين لكن القوم كانوا كما قال الله تعالى: (لعمرك إنهم لفى سكرتهم يعمهون) الحجر: 72 ولم يؤثر ذلك فيهم أثرا ولم ينتهوا عن قوله بل أجابوا بما أيأسوه به من أي إلحاح في ذلك.
قوله تعالى: (قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد) هذا جواب القوم عما دعاهم إليه لوط من النكاح المباح أجابوا بنفي أن يكون لهم في بناته من حق وأنه يعلم ذلك ويعلم ما هو بغيتهم في هذا الهجوم وما ذا يريدون.
وقد قيل في معنى نفيهم الحق: إن معناه ما لنا في بناتك من حاجة وما ليس للانسان فيه حاجه فكأنه لا حق له فيه ففي الكلام نوع استعارة.
وقيل: إن المراد ليس لنا في بناتك من حق لأنا لا نتزوجهن ومن لم يتزوج بامرأة فلا حق له فيها فالمراد بنفي الحق نفى سببه وهو الازدواج.
وقيل: المراد بالحق هو الحظ والنصيب دون الحق الشرعي أو العرفي أي لا رغبة لنا فيهن لأنهن نساء ولا ميل لنا إليهن.
والذي يجب الالتفات إليه أنهم لم يقولوا: ما لنا في بناتك من حق بل قالوا:
(لقد علمت ما لنا في بناتك من حق) فلم يجيبوا عنه بذلك بل بعلمه بذلك وبين القولين فرق فالظاهر أنهم ذكروه بما كان يعلم من السنة القومية الجارية بينهم، وهو المنع من التعرض لنساء الناس وخاصة بالقهر والغلبة أو ترك إتيان النساء بالمرة واستباحة التعرض للغلمان وقضاء الوطر منهم، وقد كان لوط يردعهم عن سنتهم ذلك إذ يقول لهم: (إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء) الأعراف: 81