وأما ما في ذيل آيات الذاريات من قوله: (قالوا إنا أرسلنا) الظاهر في المضي والفراغ عن الامر فنظيره واقع في آيات الحجر مع تسليمهم أنها تقص ما قبل الفراغ.
على أن قول الملائكة المرسلين وهم بعد في الطريق: (أنا أرسلنا) لا مانع منه بحسب اللغة والعرف.
وأما قوله: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين) إلى آخر الآيات فهو من كلامه تعالى وليس من تتمة كلام الملائكة لإبراهيم كما يدل عليه سياق القصص الواردة في سورة الذاريات.
واما ذكر الوجل في آيات الحجر في أول القصة بخلاف سورتي الذاريات وهود فالوجه فيه عدم ذكر تقديم العجل المشوى في آيات الحجر بخلافهما، على أن الارتباط التام بين اجزاء قصة مما يجوز أن يقدم بعضها على بعض حينا ويعكس الامر حينا آخر كما أنه تعالى يذكر انكار إبراهيم في آيات الذاريات في صدر القصة بعد سلامهم وفي سورة هود في وسط القصة بعد امتناعهم من الاكل، وهذا كثير الورود في نظم القرآن.
على أن آيات هود صريحة في البشرى بإسحاق ويعقوب وهى تتضمن جدال إبراهيم في قوم لوط في سياق لا يشك معه أنه كان قبل هلاك لوط، ولازمه كون بشرى إسحاق قبله لا بعده.
على أن من المتفق عليه أن إسماعيل كان أكبر سنا من إسحاق وبين ولادتيهما سنون، ولو كانت هؤلاء الملائكة بشروا إبراهيم بإسماعيل في مسيرهم إلى هلاك قوم لوط قبيل الهلاك وبشروه بإسحاق في منصرفهم عن هلاكهم بعيده كان الفصل بين البشريين يوما أو يومين فيكون الفصل بين البشرى بإسحاق وبين ولادته سنون من الزمان والبشرى لا تطلق الا على الاخبار بالجميل إذا كان مشرفا على الوقوع الا إذا كانت هناك عناية خاصة واما الاخبار بمطلق الجميل فهو وعد ونحو ذلك.
وثانيها أنه هل هناك بشرى بإسماعيل؟ والحق أن ما ذكرت من البشرى في صدر آيات الصافات انما هي بشرى بإسماعيل وهى غير ما ذكرت في ذيل الآيات من البشرى بإسحاق صريحا فإن سياق الآيات في ذيل قوله: (فبشرناه بغلام حليم)