وقوله: (إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم) ظاهر السياق أنه استثناء من قوله: (أهلك) لا من قوله: (أحد) وفي قوله: (إنه مصيبها ما أصابهم) بيان السبب لاستثنائها، وقال تعالى في غير هذا الموضع: (إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين) الحجر: 60.
وقوله: (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) أي موعد هلاكهم الصبح وهو صدر النهار بعد طلوع الفجر حين الشروق، كما قال تعالى في موضع آخر:
(فأخذتهم الصيحة مشرقين) الحجر: 73.
والجملة الأولى تعليل لقوله: (فأسر بأهلك بقطع من الليل) وفيه نوع استعجال كما تقدم، ويؤكده قوله: (أليس الصبح بقريب) ومن الجائز أن يكون لوط عليه السلام يستعجلهم في عذاب القوم فيجيبوه بقولهم: (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) أي إن من المقدر أن يهلكوا بالصبح وليس موعدا بعيدا أو يكون الجملة الأولى استعجالا من الملائكة، والثانية تسلية منهم للوط في استعجاله.
ولم يذكر في الآيات ما هي الغاية لسراهم والمحل الذي يتوجهون إليه، وقد قال تعالى في موضع آخر من كلامه: (فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون) الحجر: 65، وظاهره أن الملائكة لم يذكروا له المقصد وأحالوا ذلك إلى ما سيأتيه من الدلالة بالوحي الإلهي.
قوله تعالى: (فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك) ضمائر التأنيث الثلاث راجعة إلى أرض القوم أو القرية أو بلادهم المعلومة من السياق، والسجيل على ما في المجمع بمعنى السجين وهو النار، وقال الراغب: السجين حجر وطين مختلط، وأصله فيما قيل فارسي معرب، انتهى. يشير إلى ما قيل إن أصله (سنك)، كل وقيل: إنه مأخوذ من السجل بمعنى الكتاب كأنها كتب فيها ما فيها من عمل الاهلاك، وقيل: مأخوذ من أسجلت بمعنى أرسلت.
والظاهر إن الأصل في جميع هذه المعاني هو التركيب الفارسي المعرب المفيد معنى الحجر والطين، والسجل بمعنى الكتاب أيضا منه فإنهم على ما قيل كانوا يكتبون على الحجر المعمول ثم توسع فسمي كل كتاب سجلا وإن كان من قرطاس،