تعالى: (وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون) (الجاثية: 4) ودعا إلى الاعتبار بأمر كثير منها كالانعام والطير والنحل والنمل.
وهذه الآراء والعقائد التي نرى أن الحيوان على اختلاف أنواعها في شؤون الحياة ومقاصدها تبنى عليها أعمالها إذا لم تخل عن الاحكام الباعثة والزاجرة لم تخل عن استحسان أمور واستقباح أمور، ولم تخل عن معنى العدل أو الظلم.
وهو الذي يؤيده ما نشاهده من بعض الاختلاف في أفراد أي نوع من الحيوان في أخلاقها، فكم بين الفرس والفرس وبين الكبش والكبش وبين الديك والديك مثلا من الفرق الواضح في حدة الخلق أو سهولة الجانب ولين العريكة.
وكذا يؤيده جزئيات أخرى من حب وبغض وعطوفة ورحمة أو قسوة أو تعد وغير ذلك مما نجدها بين الافراد من نوع وقد وجدنا نظائرها بين أفراد الانسان، ووجدناها مؤثرة في الاعتقاد بالحسن والقبح في الافعال، والعدل والظلم في الأعمال ثم إنها مؤثرة أيضا في حياة الانسان الأخروية، وملاكا لحشره ومحاسبة أعماله والجزاء عليها بنعمة أو نقمة أخروية. وببلوغ البحث هذا المبلغ ربما لاح لنا أن للحيوان حشرا كما أن للانسان حشرا فإن الله سبحانه يعد انطباق العدل والظلم والتقوى والفجور على أعمال الانسان ملاكا للحشر ويستدل به عليه كما في قوله تعالى: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) (ص: 28) بل يعد بطلان الحشر في ما خلقه من السماء والأرض وما بينهما بطلانا لفعله وصيرورته لعبا أو جزافا كما في الآية السابقة على هذه الآية: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) (ص: 27).
فهل للحيوان غير الانسان حشر إلى الله سبحانه كما أن للانسان حشرا إليه؟ ثم إذا كان له حشر فهل يماثل حشره حشر الانسان فيحاسب على أعماله وتوزن وينعم بعد ذلك في جنة أو نار على حسب ما له من التكليف في الدنيا؟ وهل استقرار التكليف الدنيوي عليه ببعث الرسل وإنزال الاحكام؟ وهل الرسول المبعوث إلى الحيوان من نوع نفسه أو أنه إنسان؟.