والشهادات، والوصايا، والفتاوى، والقضايا، والاحكام، والمذاهب، والامر بالمعروف، والنهى عن المنكر.
قوله تعالى: (وبعهد الله أوفوا) قال الراغب في المفردات: العهد حفظ الشئ ومراعاته حالا بعد حال. انتهى. ولذا يطلق على الفرامين والتكاليف المشرعة والوظائف المحولة وعلى العهد الذي هو الموثق وعلى النذر واليمين.
وكثرة استعماله في القرآن الكريم في الفرامين الإلهية وإضافته في الآية إلى الله سبحانه، ومناسبة المورد وفيه بيان الاحكام والوصايا الإلهية العامة كل ذلك يؤيد أن يكون المراد بقوله: (وبعهد الله أوفوا) التكاليف الدينية الإلهية، وإن كان من الممكن أن يكون المراد بالعهد هو الميثاق المعقود بمثل قولنا: عاهدت الله على كذا وكذا، قال تعالى:
(وأوفوا بالعهد أن العهد كان مسؤولا) (الاسراء: 34) فيكون إضافته إلى الله نظير إضافة الشهادة إليه في قوله: (ولا نكتم شهادة الله) (المائدة: 106) للإشارة إلى أن المعاملة فيه معه سبحانه. ثم أكد التكاليف المذكورة في الآية بقوله: (ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون.
قوله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) إلى آخر الآية. قرئ: (وأن) بفتح الهمزة وتشديد النون وتخفيفها وكأنه بالعطف على موضع قوله: (إلا تشركوا به شيئا) وقرئ بكسر الهمزة على الاستئناف.
والذي يعطيه سياق الآيات أن يكون مضمون هذه الآية أحد الوصايا التي أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتلوها عليهم ويخبرهم بها حيث قيل: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) ولازم ذلك أن يكون قوله: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه) مسوقا لا لتعلق الغرض به بنفسه لان كليات الدين قد تمت في الآيتين السابقتين عليه بل ليكون توطئه وتمهيدا لقوله بعده: (ولا تتبعوا السبل) كما أن هذه الجملة بعينها كالتوطئة لقوله:
(فتفرق بكم عن سبيله) فالمراد بالآية أن لا تتفرقوا عن سبيله ولا تختلفوا فيه، فتكون الآية مسوقة سوق قوله: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) (الشورى: 13) فالامر في الآية بإقامة الدين هو ما وصى من الدين المشروع كأنه أعيد ليكون تمهيدا للنهي عن التفرق بالدين.