يصير التقدير: ذلك جزيناهموه فيكون كقولهم: زيد ضربت أي ضربته، وهذا إنما يجوز في ضرورة الشعر انتهى. والآية كأنها في مقام الاستدراك ودفع الدخل ببيان أن ما حرم الله على بني إسرائيل من طيبات ما رزقهم إنما حرمه جزاء لبغيهم فلا ينافي ذلك كونه حلا بحسب طبعه الأولى كما يشير إلى ذلك قوله: (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة) (آل عمران: 93) وقوله: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا) (النساء: 160).
قوله تعالى: (فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة) إلى آخر الآية، معنى الآية ظاهر، وفيها أمر بإنذارهم وتهديدهم إن كذبوا بالبأس الإلهي الذي لا مرد له لكن لا ببيان يسلط عليهم اليأس والقنوط بل بما يشوبه بعض الرجاء، ولذلك قدم عليه قوله:
(ربكم ذو رحمة واسعة.
قوله تعالى: (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ) الآية تذكر احتجاجهم بهذه الحجة ثم ترد عليهم بأنهم جاهلون بها وإنما يركنون فيها إلى الظن والتخمين، والكلمة كلمة حق وردت في كثير من الآيات القرآنية لكنها لا تنتج ما قصدوه منها.
فإنهم إنما احتجوا بها لاثبات أن شركهم وتحريمهم ما رزقهم الله بإمضاء من الله سبحانه لا بأس عليهم في ذلك فحجتهم أن الله لو شاء منا خلاف ما نحن عليه من الشرك والتحريم لكنا مضطرين على ترك الشرك والتحريم فإذ لم يشأ كان ذلك إذنا في الشرك والتحريم فلا بأس بهذا الشرك والتحريم.
وهذه الحجة لا تنتج هذه النتيجة وإنما تنتج أن الله سبحانه إذ لم يشأ منهم ذلك لم يوقعهم موقع الاضطرار والاجبار فهم مختارون في الشرك والكف عنه وفي التحريم وتركه فله تعالى أن يدعوهم إلى الايمان به ورفض الافتراض فلله الحجة البالغة ولا حجة لهم في ذلك إلا اتباع الظن والتخمين.
قوله تعالى: (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) كأن الفاء الأولى لتفريع مضمون الجملة على ما تقدم من قولهم (لو شاء الله ما أشركنا) الخ، والفاء الثانية