وأمر بتجنبه. انتهى.
وقد عد في مواضع من القرآن الكريم إحسان الوالدين تاليا للتوحيد ونفى الشرك فامر به بعد الامر بالتوحيد أو النهى عن الشرك به كقوله: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) (الاسراء: 23) وقوله: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنى لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ووصينا الانسان بوالديه) (لقمان: 14) وغير ذلك من الآيات.
ويدل ذلك على أن عقوق الوالدين من أعظم الذنوب أو هو أعظمها بعد الشرك بالله العظيم، والاعتبار يهدى إلى ذلك فإن المجتمع الانساني الذي لا يتم للانسان دونه حياة ولا دين هو أمر وضعي اعتباري لا يحفظه في حدوثه وبقائه إلا حب النسل الذي يتكئ على رابطة الرحمة المتكونة في البيت القائمة بالوالدين من جانب وبالأولاد من جانب آخر، والأولاد إنما يحتاجون إلى رحمتهما وإحسانهما في زمان تتوق أنفسهما إلى نحو ا لأولاد بحسب الطبع، وكفى به داعيا ومحرضا لهما إلى الاحسان إليهم بخلاف حاجتهم إلى رأفة الأولاد ورحمتهم فإنها بالطبع يصادف كبرهما ويوم عجزهما عن الاستقلال بالقيام بواجب حياتهما وشباب الأولاد وقوتهم على ما يعنيهم.
وجفاء الأولاد للوالدين وعقوقهم لهما يوم حاجتهما إليهم ورجائهما منهم وانتشار ذلك بين النوع يؤدى بالمقابلة إلى بطلان عاطفة التوليد والتربية، ويدعو ذلك من جهة إلى ترك التناسل وانقطاع النسل، ومن جهة إلى كراهية تأسيس البيت والتكاهل في تشكيل المجتمع الصغير، والاستنكاف عن حفظ سمة الأبوة والأمومة، وينجر إلى تكون طبقة من الذرية الانسانية لا قرابة بينهم ولا أثر من رابطة الرحم فيهم، ويتلاشى عندئذ أجزاء المجتمع، ويتشتت شملهم، ويتفرق جمعهم، ويفسد أمرهم فسادا لا يصلحه قانون جار ولا سنة دائرة، ويرتحل عنهم سعادة الدنيا والآخرة، وسنقدم إليك بحثا ضافيا في هذه الحقيقة الدينية إن شاء الله.
قوله تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم) الاملاق الافلاس من المال والزاد ومنه التملق، وقد كان هذا كالسنة الجارية بين العرب في الجاهلية لتسرع الجدب والقحط إلى بلادهم فكان الرجل إذا هدده الافلاس بادر إلى قتل أولاده تأنفا من أن يراهم على ذلة العدم والجوع.