يبلغ أشده فإذا بلغ أشده لم يكن يتيما قاصرا عن إدارة ماله وكان هو المتصرف في مال نفسه من غير حاجة بالطبع إلى تدبير الولي لماله.
ومن هنا يظهر أن المراد ببلوغه أشده هو البلوغ والرشد كما يدل عليه أيضا قوله:
(وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا) (النساء: 6).
ويظهر أيضا أنه ليس المراد بتحديد حرمة التصرف في مال اليتيم بقوله: (حتى يبلغ أشده) رفع الحرمة بعد بلوغ الأشد وإباحة التصرف حينئذ بل المراد بيان الوقت الذي يصلح للاقتراب من ماله، وارتفاع الموضوع بعده فإن الكلام في معنى: وأصلحوا مال اليتيم الذي لا يقدر على إصلاح ماله وإنمائه حتى يكبر ويقدر.
قوله تعالى: (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها) الايفاء بالقسط هو العمل بالعدل فيهما من غير بخس وقوله: (لا نكلف نفسا إلا وسعها) بمنزلة دفع الدخل كأنه: قيل إن الايفاء بالقسط والوقوع في العدل الحقيقي الواقعي لا يمكن للنفس الانسانية التي لا مناص لها عن أن تلتجئ في أمثال هذه الأمور إلى التقريب فأجيب بأنا لا نكلف نفسا إلا وسعها، ومن الجائز أن يتعلق قوله: (لا نكلف نفسا إلا وسعها) بالحكمين جميعا أعني قوله: (ولا تقربوا مال اليتيم) الخ، وقوله: (وأوفوا الكيل والميزان.
قوله تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) ذكر ذي القربى وهو الذي تدعو عاطفة القرابة والرحم إلى حفظ جانبه وصيانته من وقوع الشر والضرر في نفسه وماله يدل على أن المراد بالقول هو القول الذي يمكن أن يترتب عليه انتفاع الغير أو تضرره كما أن ذكر العدل في القول يؤيد ذلك، ويدل على أن هناك ظلما، وإن القول متعلق ببعض الحقوق كالشهادة والقضاء والفتوى ونحو ذلك.
فالمعنى: وراقبوا أقوالكم التي فيها نفع أو ضرر للناس واعدلوا فيها، ولا يحملنكم رحم. ة أو رأفة أو أي عاطفة على أن تراعوا جانب أحد فتحرفوا الكلام وتجاوزوا الحق فتشهدوا أو تقضوا بما فيه رعاية لجانب من تحبونه وإبطال حق من تكرهونه.
قال في المجمع: وهذا من الأوامر البليغة التي يدخل فيها مع قلة حروفها الأقارير