بما ختمت أن التكاليف الخمسة المذكورة في الآية الأولى ظاهرة جلية فوجب تعقلها وتفهمها والتكاليف الأربعة المذكورة في هذة الآية - يعنى الثانية - أمور خفية غامضة لا بد فيها من الاجتهاد والفكر الكثير حتى يقف على موضوع الاعتدال وهو التذكر. انتهى.
وما ذكره من الوجه قريب المأخذ مما قدمناه غير أن الأمور الأربعة المذكورة في الآية الا ثانية مما يناله الانسان بأدنى تأمل، وليست بذلك الخفاء والغموض الذي وصفه، ولذا التجأ إلى إرجاع التذكر إلى الوقوف على حد الاعتدال فيها دون أصلها فأفسد بذلك معنى الآية فإن مقتضى السياق رجوع رجاء التذكر إلى أصل ما وصى به فيها، والذي يحتاج منها بحسب الطبع إلى الوقوف حد اعتداله هما الأمران الأولان أعني قربان مال اليتيم وإيفاء الكيل والوزن، وقد تدورك أمرهما بقوله: (لا نكلف نفسا إلا وسعها) فافهم ذلك.
ثم قال في الآية الثالثة: قال أبو حيان: ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف وأمر سبحانه باتباعه ونهى عن اتباع غيره من الطرق ختم ذلك بالتقوى التي هي اتقاء النار إذ من اتبع صراطه نجا النجاة الأبدية، وحصل على السعادة السرمدية انتهى.
وهو مبنى على جعل الامر باتباع الصراط المستقيم في الآية مما تعلق به القصد بالأصالة وقد تقدم أن مقتضى السياق كونه مقدمة للنهي عن التفرق باتباع السبل الأخرى.
وتوطئة لقوله: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).
قوله تعالى: (ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن) إلى آخر الآية، لما كان ما ذكره ووصى به من كليات الشرائع تكاليف مشرعة عامة لجميع ما أوتى الأنبياء من الدين، وهى أمور كلية مجملة صحح ذلك الالتفات إلى بيان أنه تعالى بعد ما شرعها للجميع إجمالا فصلها حيث اقتضت تفصيلها لموسى عليه السلام أولا فيما أنزل عليه من الكتاب، وللنبي صلى لله عليه وآله وسلم ثانيا فيما أنزله عليه من كتاب مبارك فقال تعالى: (ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شئ) الخ.
فمعنى الآية: أنا بعد ما شرعنا من إجمال الشرائع الدينية آتينا موسى الكتاب تماما تتم به نقيصة من أحسن منهم من حيث الشرع الاجمالي وتفصيلا يفصل به كل شئ من فروع هذه الشرائع الاجمالية مما يحتاج إليه بنو إسرائيل وهدى ورحمة لعلهم