هذه الآيات، وهى في الحقيقة خاصة نفس الآيات وهى أن الايمان لا ينفع نفسا لم تؤمن قبل ذلك اليوم إيمان طوع واختيار أو آمنت قبله ولم تكن كسبت في إيمانها خيرا ولم تعمل صالحا بل انهمكت في السيئات والمعاصي إذ لا توبة لمثل هذا الانسان، قال تعالى: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الان) (النساء:
18)، فالنفس التي لم تؤمن من قبل إيمان طوع ورضى أو آمنت بالله وكذبت بآيات الله ولم تعتن بشئ من شرائع الله واسترسلت في المعاصي الموبقة ولم تكتسب شيئا من صالح العمل فيما كان عليها ذلك ثم شاهدت البأس الإلهي فحملها الاضطرار إلى الايمان لترد به بأس الله تعالى لم ينفعها ذلك، ولم يرد عنها بأسا ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين.
وفي الآية من بديع النظم ولطيف السياق أنه كرر فيها (لفظ ربك) ثلاث مرات وليس إلا لتأييد النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجاه خصمه وهم المشركون حيث كانوا يفتخرون بأربابهم ويباهون بأوثانهم ليعتز بربه ويثبت به قلبه ويربط جأشه في دعوته إن نجحت وإلا فبالقضاء الفصل الذي يقضى به ربه بينه وبين خصمه ثم أكد ذلك وزاد في طمأنة نفسه بقوله في ختام الآية (قل انتظروا إنا منتظرون) أي فانتظر أنت ما هم منتظرون، وأخبرهم إنك في انتظاره، ومرهم أن ينتظروه فهو الفصل وليس بالهزل.
ومن هنا يظهر أن الآية تتضمن تهديدا جديا لا تخويفا صوريا وبه يظهر فساد ما ذكره بعضهم في دفع قول القائل: إن الاستفهام في الآية للتهكم فقال: إن هذه الآيات الثلاث هي ما ينتظرونه كغيرهم في نفس الامر فلا يصح أن يراد بهذا البعض شئ مما اقترحوه لان إيتاء الآيات المقترحة على الرسل يقتضى في سنة الله هلاك الأمة بعذاب الاستئصال إذا لم تؤمن به، والله لا يهلك أمة نبي الرحمة. انتهى.
وفيه: أن دلالة الآيات القرآنية على أن هذه الأمة سيشملهم القضاء بينهم بالقسط والحكم الفصل مما لا سترة عليها كقوله: (ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون، ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين، قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل - إلى أن قال - ويستنبئونك أحق هو قل أي وربى إنه لحق وما أنتم بمعجزين) إلى آخر الآية (يونس: 47 - 53).
وقد استدل بالآية على أن الايمان لا أثر له إذا لم يقترن بالعمل وهو حق في الجملة