وقد علل النهى بقوله: (نحن نرزقكم وإياهم) أي إنما تقتلونهم مخافه أن لا تقدروا على القيام بأمر رزقهم ولستم برازقين لهم بل الله يرزقكم وإياهم جميعا فلا تقتلوهم.
قوله تعالى: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) الفواحش جمع فاحشة وهى الامر الشنيع المستقبح، وقد عد الله منها في كلامه الزنا واللواط وقذف المحصنات، والظاهر أن المراد مما ظهر ومما بطن العلانية والسر كالزنا العلني واتخاذ الاخدان والاخلاء سرا.
وفي استباحة الفاحشة إبطال فحشها وشناعتها، وفي ذلك شيوعها لأنها من أعظم ما تتوق إليه النفس الكارهة لان يضرب عليها بالحرمان من ألذ لذائذها وتحجب عن أعجب ما تتعلق به وتعزم به شهوتها، وفى شيوعها انقطاع النسل وبطلان المجتمع البيتي وفي بطلانه بطلان المجتمع الكبير الانساني، وسوف نستوفي هذا البحث إن شاء الله فيما يناسبه من المحل.
وكذلك استباحة القتل وما في تلوه من الفحشاء إبطال للأمن العام وفي بطلانه انهدام بنية المجتمع الانساني وتبدد أركانه.
قوله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) أي حرم الله قتلها أو حرمها بالحرمة المشرعة لها التي تقيها وتحميها من الضيعة في دم أو حق، قيل: إنه تعالى أعاد ذكر القتل وإن كان داخلا في الفواحش تفخيما لشأنه وتعظيما لامره، ونظيره الكلام في قتل الأولاد خشية الاملاق اختص بالذكر عناية به، وقد كانت العرب تفعل ذلك بزعمهم أن خشية الاملاق تبيح للوالد أن يقتل أولاده، ويصان به ماء وجهه من الابتذال، والأبوة عندهم من أسباب الملك.
وقد استثنى الله تعالى من جهة قتل النفس المحترمة التي هي نفس المسلم والمعاهد قتلها بالحق وهو القتل بالقود والحد الشرعي.
ثم أكد تحريم المذكورات في الآية بقوله: (ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون) سيجئ الوجه في تعليل هذه المناهى الخمس بقوله: (لعلكم تعقلون).
قوله تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده) النهى عن القرب للدلالة على التعميم فلا يحل أكل ماله ولا استعماله ولا أي تصرف فيه إلا بالطريقة التي هي أحسن الطرق المتصورة لحفظه، ويمتد هذا النهى وتدوم الحرمة إلى أن