أممهم في تبليغاتهم الدينية كالذي نقل من نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى وعيسى وغيرهم عليهم السلام، وقد قال تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) (الشورى: 13) ومن ألطف الإشارة التعبير عما أوتى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام بالتوصية ثم التعبير في هذه الآيات الثلاث التي تقص أصول المحرمات الإلهية أيضا بالتوصية حيث قال: (ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون) ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون) (ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون). على أن التأمل فيها يعطى أن الدين الإلهي لا يتم أمره ولا يستقيم حاله بدون شئ منها وإن بلغ من الاجمال والبساطة ما بلع وبلغ الانسان المنتحل به من السذاجة ما بلغ.
قوله تعالى: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلا تشركوا به شيئا قيل تعال مشتق من العلو وهو أمر بتقدير أن الامر في مكان عال وإن لم يكن الامر على ذلك بحسب الحقيقة، والتلاوة قريب المعنى من القراءة، وقوله: (عليكم) متعلق بقوله: (أتل أو قوله: (حرم) على طريق التنازع في المتعلق، وربما قيل: إن (عليكم) اسم فعل بمعنى خذوا وقوله: (أن لا تشركوا) معموله والنظم ج عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا (الخ)، وهو خلاف ما يسبق إلى الذهن من السياق.
ولما كان قوله: (تعالوا أتل ما حرم) الخ، دعوة إلى التلاوة وضع في الكلام عين ما جاء به الوحي في مورد المحرمات من النهى في بعضها والامر بالخلاف في بعضها الاخر فقال: (إلا تشركوا به شيئا) كما قال: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) ولا تقربوا الفواحش) الخ، وقال: (وبالوالدين إحسانا) كما قال: (وأوفوا الكيل والميزان) (وإذا قلتم فاعدلوا) الخ.
وقد قدم الشرك على سائر المحرمات لأنه الظلم العظيم الذي لا مطمع في المغفرة الإلهية معه قال: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (النساء: 48) وإليه ينتهى كل معصية كما ينتهى إلى التوحيد بوجه كل حسنة.
قوله تعالى: (وبالوالدين إحسانا) أي أحسنوا بالوالدين إحسانا، وفي المجمع:
أي وأوصى بالوالدين إحسانا، ويدل على ذلك أن في (حرم كذا) معنى أوصى بتحريمه