فيكون محصل الآيات الخمس أن تحريمهم أصنافا من الحرث والانعام ضلال منهم لا يساعدهم على ذلك حجة فلا العقل ورعاية مصلحة العباد يدلهم على ذلك، ولا الوحي النازل من الله سبحانه يهديهم إليه فهم في خسران منه.
قوله تعالى: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات - إلى قوله - وغير متشابه). الشجرة المعروشة هي التي ترفع أغصانها بعضا على بعض بدعائم كالكرم وأصل العرش الرفع فالجنات المعروشات هي بساتين الكرم ونحوها، والجنات غير المعروشات ما كانت أشجارها قائمة على أصولها من غير دعائم.
وقوله: (والزرع مختلفا أكله) أي ما يؤكل منه من الحبات كالحنطة والشعير والعدس والحمص.
وقوله: (والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه) أي متشابه كل منها وغير متشابه على ما يفيده السياق، والتشابه بين الثمرتين باتحادهما في الطعم أو الشكل أو اللون أو غير ذلك.
قوله تعالى: (كلوا من ثمره إذا أثمر) إلى آخر الآية، الامر للإباحة لوروده في رفع الحظر الذي يدل عليه إنشاء الجنات والنخل والزرع وغيرها، والسياق يدل على أن تقدير الكلام: وهو الذي أنشأ جنات والنخل والزرع الخ، وأمركم بأكل ثمر ما ذكر وأمركم بإيتاء حقه يوم حصاده، ونهاكم عن الاسراف. فأي دليل أدل من ذلك على إباحتها؟
وقوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) أي الحق الثابت فيه المتعلق به فالضمير راجع إلى الثمر وأضيف إليه الحق لتعلقه به كما يضاف الحق أيضا إلى الفقراء لارتباطه بهم وربما احتمل رجوع الضمير إلى الله كالضمير الذي بعده في قوله: إنه لا يحب المسرفين) وإضافته إليه تعالى لانتسابه إليه بجعله.
وهذا إشارة إلى جعل حق ما للفقراء في الثمر من الحبوب والفواكه يؤدى إليهم يوم الحصاد يدل عليه العقل ويمضيه الشرع وليس هو الزكاة المشرعة في الاسلام إذ ليست في بعض ما ذكر في الآية زكاة، على أن الآية مكية وحكم الزكاة مدنى.
نعم لا يبعد أن يكون أصلا لتشريعها فإن أصول الشرائع النازلة في السور المدنية