هو المناسب للمسارة هذا وفي الآيات موارد أخر من الالتفات لا يخفى وجهها على المتدبر.
قوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم) إلى آخر الآية.
في هذا الخطاب دفع دخل يمكن أن يتوجه إلى الحجة السابقة المأخوذة من اعترافهم بأنهم إنما وقعوا فيما وقعوا فيه من ولاية الشياطين بسوء اختيارهم.
وهو أنهم وإن ابتلوا بذلك من طريق الاختيار لكنهم لو يكونوا يعلمون أن هذه المعاصي والتمتعات سوف توردهم مورد الهلكة وتسجل عليهم ولاية الظالمين والشياطين ويخسرهم بالشقاء الذي لا سعادة بعده أبدا فهم كانوا على غفلة من ذلك وإن كانوا على علم في الجملة بمساءة أعمالهم وشناعة أفعالهم ومؤاخذة الغافل ظلم.
فدفعه الله سبحانه بهذا الخطاب الذي يسألهم فيه عن إتيان الرسل وذكرهم آيات الله وإنذارهم بيوم الجمع والحساب فلما شهدوا على أنفسهم بالكفر بما جاء به الرسل تمت الكلمة ولزمت الحجة.
فمعنى الآية: أنا نخاطبهم جميعا فنقول لهم: يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم أرسلناهم إليكم يقصون عليكم آياتي التي تدل على الدين الحق، وينذرونكم لقاء يومكم هذا وهو يوم القيامة وإن الله سيوقفكم موقف المسألة فيحاسبكم على أعمالكم ثم يجازيكم بما عملتم إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا فإذا سألناهم عن ذلك أجابونا وقالوا: شهدنا على أنفسنا أن الرسل أتونا وقصوا علينا آياتك، وأنذرونا لقاء يومنا هذا، وشهدوا على أنفسهم إنهم كانوا كافرين بما جاء به الرسل رادين عليهم عن علم وما كانوا غافلين.
وبذلك تبين أولا أن قوله: (منكم لا يدل على أزيد من كون الرسل من جنس المخاطبين وهم مجموع الجن والإنس لا من غيرهم كالملائكة حتى يتوحشوا منهم ولا يستأنسوا بهم ولا يفقهوا قولهم، وأما أن من كل من طائفتي الجن والإنس رسلا منهم فلا دلالة في الآية على ذلك.
وثانيا: أن تكرار لفظ الشهادة إنما هو لاختلاف متعلقها فالمراد بالشهادة الأولى الشهادة بإتيان الرسل وقصهم آيات الله وإنذارهم بيوم القيامة، وبالشهادة الثانية الشهادة بكفرهم بما جاء به الرسل من غير غفلة.