والضلال من الله، كذلك تدل بلفظها على الدليل العقلي القاطع في هذه المسألة.
بيانه: أن العبد قادر على الايمان والكفر معا على حد سواء فيمتنع صدر أحدهما عنه بدلا من الاخر إلا إذا اقترن بمرجح يستدعى صدور ما يرجح به وهو الداعي القلبي الذي ليس إلا العلم أو الاعتقاد أو الظن بكون الفعل مشتملا على مصلحة زائدة ومنفعة راجحة من غير ضرر زائد أو مفسدة راجحة، وقد بينا بالدليل أن حصول هذه الدواعي في القلب إنما يكون من الله تعالى، وأن مجموع القدرة والداعي يوجب العمل.
إذا ثبت هذا فنقول: يستحيل صدور الايمان من العبد إلا إذا خلق الله في قلبه اعتقاد رجحان الايمان، ومعه يحصل من القلب ميل إليه ومن النفس رغبة فيه وهذا هو انشراح الصدر، ويمتنع الكفر إلا بخلقه ما يقابل ذلك في القلب، ويحصل حينئذ النفرة عنه والاشمئزاز منه وهو المراد بجعل القلب ضيقا حرجا فصار تقدير الآية: أن من أراد الله منه الايمان قوى دواعيه إليه، ومن أراد منه الكفر قوى صوارفه عن الايمان وقوى دواعيه إلى الكفر، ولما ثبت بالدليل العقلي أن الامر كذلك ثبت أن لفظ القرآن مشتمل على هذه الدلائل العقلية. انتهى ملخصا.
وفيه أولا: أن انتساب الشئ إليه تعالى من جهة خلقه أسباب وجوده ومقدماته لا يوجب انتفاء نسبته إلى غيره تعالى وإلا أوجب ذلك بطلان قانون العلية العام وببطلانه يبطل القضاء العقلي من رأس فمن الممكن أن تستند الهداية والضلال إلى غيره تعالى استنادا حقيقيا في حين أنهما يستندان إليه تعالى استنادا حقيقيا من غير تناقض.
وثانيا: أن الذي ذكرته الآية من صنعه تعالى في موردى هدايته وإضلاله هو سعة القلب وضيقة، وهما غير رغبة النفس ونفرته البتة فالآية أجنبية عما ذكره أصلا، ومجرد استلزام إرادة الفعل من العبد رغبته وكراهته نفرته منه لا يوجب أن يكون المراد من سعة القلب وضيقة الإرادة والكراهة بالنسبة إلى الأعمال، ففيه مغالطة من باب أخذ أحد المقارنين مكان الاخر ومن عجيب الكلام قوله: إن انطباق الدليل العقلي الذي إقامة بزعمه على الآية يوجب دلالة لفظ الآية عليه.
وثالثا: أنك عرفت أن الآية إنما هي في مقام تعريف ما يصنع الله بعبده إذا أراد هدايته أو ضلالته، وأما أن كل هداية أو ضلالة فهى من الله تعالى دون غيره فذلك