قوله: (يجعل صدره ضيقا حرجا) الخ، فمن شرح الله صدره للاسلام وهو التسليم لله سبحانه فقد بسط صدره ووسعه لتسليم ما يستقبله من قبله تعالى من اعتقاد حق أو عمل ديني صالح فلا يلقى إليه قول حق إلا وعاه ولا عمل صالح إلا أخذ به وليس إلا أن لعين بصيرته نورا يقع على الاعتقاد الحق فينوره أو العمل الصالح فيشرقه خلاف من عميت عين قلبه فلا يميز حقا من باطل ولا صدقا من كذب قال تعالى: (فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (الحج: 46).
وقد بين تعالى شرح الصدر بهذا البيان في قوله: (أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) فوصفه فعرفه بأن صاحبه راكب نور من الله يشرق قدامه في مسيره ثم عرفه بالمقابلة بلينة في القلب يقبل به ذكر الله ولا يدفعه لقسوة ثم قال: (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدى به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد) (الزمر: 23) فذكر لين القلب إلى ذكر الله وطوعه للحق وأفاد أن ذلك هو الهدى الإلهي الذي يهدى به من يشاء، وعند ذلك يرجع الآيتان أعني آية الزمر والآية التي نحن فيها إلى معنى واحد وهو أن الله سبحانه عند هدايته عبدا من عباده يبسط صدره فيسع كل اعتقاد حق وعمل صالح ويقبله بلين ولا يدفعه بقسوة وهو نوع من النور المعنوي الذي ينور القول الحق والعمل الصالح وينصر صاحبه فيمسك بما نوره فهذا معرف يعرف به الهداية الإلهية.
ومن هنا يظهر أن الآية أعني قوله: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام) بمنزلة بيان آخر لقوله: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس) التفريع الذي في قوله. (فمن يرد الله) الخ، من قبيل تفريع أحد البيانين على الاخر بدعوى أنه نتيجته كأن التصادق بين البيانين يجعل أحدهما نتيجة مترتبة وفرعا متفرعا على الاخر، وهو عناية لطيفة.
والمعنى: فإذا كان من أحياه الله بعد ما كان ميتا على هذا الصفة وهى أنه على نور من ربه يستضئ به لواجب الاعتقاد والعمل فيأخذ به فمن يرد الله أن يهديه يوسع صدره لان يسلم لربه ولا يستنكف عن عبادته فالاسلام نور من الله، والمسلمون لربهم على نور من ربهم.