ما يعقلونه، ويريد ما لا يريدونه وإن كانت ظواهر أعماله وصور حركاته وسكناته تحاكي أعمال غيره وحركاتهم وسكناتهم وتشابهها فله شعور وإرادة فوق ما لغيره من الشعور والإرادة فعنده من الحياة التي هي منشأ الشعور والإرادة ما ليس عند غيره من الناس فللمؤمن مرتبة من الحياة ليست عند غيره.
فكما أن العامة من الانسان في عين أنها تشارك سائر الحيوان في الشعور بواجبات الحياة والحركة الإرادية نحوها، ويشاركها الحيوان لكنا مع ذلك لا نشك أن الانسان نوع أرقي من سائر الأنواع الحيوانية وله حياة فوق الحياة التي فيها لما نرى في الانسان آثاره العجيبة المترشحة من أفكار الكلية وتعقلاته المختصة به، ولذلك نحكم في الحيوان إذا قسناه إلى النبات وفي النبات إذا قسناه إلى ما قبله من مراتب الكون أن لكل منهما كعبا أعلى وحياة هي أرقي من حياة ما قبله.
فلنقض في الانسان الذي أوتى العلم والايمان واستقر في دار الايقان واشتغل بربه وفرغ واستراح من غيره وهو يشعر بما ليس في وسع غيره ويريد ما لا يناله سواه أن له حياة فوق حياة غيره، ونورا يستمد به في شعوره، وإرادة لا توجد إلا معه وفي ظرف حياته.
يقول الله سبحانه: (فلنحيينه حياة طيبة) (النحل: 97) فلهم الحياة لكنها بطبعها طيبة وراء مطلق الحياة (ويقول: (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالانعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) (الأعراف : 179) فيثبت لهم أمثال القلوب والأعين والاذان التي في المؤمنين لكنه ينفى كمال آثارها التي في المؤمنين، ولم يكتف بذلك حتى أثبت لهم روحا خاصا بهم فقال: (أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه) (المجادلة: 22).
فتبين بذلك أن للحياة وكذا للنور حقيقة في المؤمن واقعية وليس الكلام جاريا على ذاك التجوز الذي لا يتعدى مقام العناية اللفظية فما في خاصة الله من المؤمنين من الصفة الخاصة بهم أحق باسم الحياة مما عند عامة الناس من معنى الحياة كما أن حياة الانسان كذلك بالنسبة إلى حياة الحيوان، وحياة الحيوان كذلك بالنسبة إلى حياة النبات.
فقوله: (أو من كان ميتا فأحييناه) أي ضالا من حيث نفسه أو ضالا كافرا قبل