فمعنى الآية: ويوم يحشرهم جميعا ليتم أمر الحجاج عليهم فيقول للجن: يا معشر الجن قد استكثرتم من ولاية الانس وإغوائهم، وقال أولياؤهم من الانس في الاعتراف بحقيقة الامر: ربنا استمتع بعضنا ببعض فاستمتعنا معشر الانس من الجن بأن تمتعنا بزخارف الدنيا وما تهواه أنفسنا بتسويلاتهم، وتمتع الجن منا باتباع ما كانوا يلقون إلينا من الوساوس وكنا على ذلك حتى بلغنا آخر ما بلغنا من فعلية الحياة الشقية ودرجة العمل.
فهذا اعتراف منهم بأن الاجل وإن كان بتأجيل الله سبحانه لكنهم إنما بلغوه بطيهم طريق تمتع البعض، من البعض، وهو طريق سلكوه باختيارهم. ولا يعبد أن يستظهر من هنا أن المراد بالجن الشياطين الذين يوسوسون في صدور الناس من الجن.
قوله تعالى: (قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله) الخ، هذا جواب منه سبحانه وقضاء عليهم، ومتن ما قضى به قوله: (النار مثواكم) الخ.
والمثوى اسم مكان من قولهم: ثوى يثوى ثواء أي أقام مع استقرار فقوله: النار مثواكم أي مقامكم الذي تستقرون فيه من غير خروج ولذا أكده بقوله؟ (خالدين فيها) وقوله: (إلا ما شاء الله) استثناء يفيد أن القدرة الإلهية باقية مع ذلك على ما كانت فله مع ذلك أن يخرجكم منها وإن كان لا يفعل.
ثم تمم الآية بقوله: (إن ربك حكيم عليم) وهو يفيد تعليل البيان الواقع في الآية والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قوله تعالى: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) فيه بيان أن جعله تعالى بعض الظالمين أولياء يجرى على الحقيقة المبينة في الآية السابقة، وهو أن التابع يستمتع المتبوع من طريق تسويله وإغوائه فيكسب بذلك الذنوب والاثام حتى يجعل الله المتبوع وليا عليه ويدخل التابع في ولايته.
وقوله: (بما كانوا يكسبون) الباء للسببية أو المقابلة، وهو يفيد أن هذه التولية إنما هي بنحو المجازاة يجازى بها الظالمين في قبال ما اكتسبوه من المظالم لا تولية ابتدائية من غير ذنب سابق نظير ما في قوله: (يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين (البقرة: 26). وقد التفت في الآية من الغيبة إلى التكلم ليختص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببيان هذه الحقيقة فإنهم غير لائقين بتلقيها وإنما التفت إلى التكلم لان التكلم