بقوله: (أول مرة الدعوة الأولى قبل نزول الآيات قبال ما يتصور له من المرة الثانية التي هي الدعوة مع نزول الآيات.
والمعنى أنهم لا يؤمنون لو نزلت عليهم الآيات، وذلك أنا نقلب أفئدتهم فلا يعقلون بها كما ينبغي أن يعقلوه، وأبصارهم فلا يبصرون بها ما من حقهم أن يبصروه فلا يؤمنون بها كما لم يؤمنوا بالقرآن أول مرة من الدعوة قبل نزول هذه الآيات المفروضة ونذرهم في طغيانهم يترددون ويتحيرون. هذا ما يقضى به ظاهر سياق الآية.
وللمفسرين في الآية أقوال كثيرة غريبة لا جدوى في التعرض لها والبحث عنها، من شاء الاطلاع عليها فليراجع مظانها.
قوله تعالى: (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى) إلى آخر الآية بيان آخر لقوله: (إنما الآيات عند الله) وإن قولهم: (لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها) دعوى كاذبة أجرأهم عليها جهلهم بمقام ربهم فليس في وسع الآيات التي يظنون أنها أسباب مستقلة في إيجاد الايمان في قلوبهم وإقدارهم على التلبس به أن تودع في نفوسهم الايمان إلا بمشية الله.
فهذا السياق يدل على أن في الكلام حذفا وإيجازا، والمعنى: ولو أننا أجبناهم في مسألتهم وآتيناهم أعاجيب الآيات فنزلنا إليهم الملائكة فعاينوهم، وأحيينا لهم الموتى فواجهوهم وكلموهم وأخبروهم بصدق ما يدعون إليه، وحشرنا وجمعنا عليهم كل شئ قبيلا قبيلا و صنفا صنفا، أو حشرنا عليهم كل شئ قبلا ومواجهة فشهدوا لهم بلسان الحال أو القال، ما كانوا ليؤمنوا ولم يؤثر شئ من ذلك في استجابتهم للايمان إلا أن يشاء الله إيمانهم.
فلا يتم لهم الايمان بشئ من الأسباب والعلل إلا بمشية الله فإن النظام الكونى على عرضه العريض وإن كان يجرى على طبق حكم السببية وقانون العلية العام غير أن العلل والأسباب مفتقرة في أنفسها متدلية إلى ربها غير مستقلة في شئ من شؤونها ومقتضياتها فلا يظهر لها حكم إلا بمشية الله ولا يحيى لها رسم إلا بإذنه.
غير أن المشركين أكثرهم - ولعلهم غير العلماء الباغين منهم - يجهلون مقام ربهم ويتعلقون بالأسباب على أنها مستقله في نفسها مستغنية عن ربها فيظنون أن لو أتاهم سبب الايمان - وهو الآية المقترحة - آمنوا واتبعوا الحق وقد اختلط عليهم الامر بجهلهم فأخذوا